قال وهو يضع قطعة من الفطيرة على خزانة الملابس: «لقد أحضرت لك هذه في حال شعورك بالجوع، فقد لاحظت أنك لم تتناولي طعامك في العشاء.»
كان بوسع إلينورا أن تسمع صوت معدتها وهي تقرقر جوعا حول رئتيها، كما لو كانت بركانا نافد الصبر. «شكرا يا بابا.»
فقال وهو يداعب جبهتها: «إني راحل غدا، وخطر لي أن أودعك الآن كي لا أوقظك في الصباح.»
نظرت إلينورا إلى والدها وهو ينحني على فراشها. كان الضوء القادم من الباب المفتوح يصنع هالة حول رأسه، وبدا للحظة كما لو كان على وشك أن يتفوه بشيء، ولكنه لم يفعل. «سوف أفتقدك يا إيلي.» «وأنا أيضا يا بابا.»
انسالت دمعة من رموش عينيه كقطرات المطر التي تتجمع على حافة ورقة الشجر، ثم نهض راحلا. «تصبحين على خير.»
لم تشعر إلينورا بالارتياح تجاه ما تضمره من خداع والدها، ولكنها كانت تدرك أن ذلك هو الأفضل؛ فعندما تكشف عن وجودها على متن الباخرة المتجهة إلى إسطنبول، عندما تصبح العودة مستحيلة، سوف يضمها بين ذراعيه ويشكرها. وكانت تعلم أنه سيفعل ذلك. وإذا كان ثمة درس مستفاد من «الساعة الرملية»، فهو أن تتبع ما يمليه عليك قلبك دائما، ف «لا حكيم أعظم من أوامر قلبك.» هكذا صاغتها الآنسة يونسكو. فكرت للحظة فيما إذا كان قول الآنسة يونسكو يتعارض مع قول الآنسة هولفرت، وقررت أن الإجابة بالنفي، بل إن كليهما يدفع القارئ باتجاه النهاية نفسها؛ أن يغوص في أعماق قلبه ويحدد الأفضل ويفعله بلا ندم.
وبعد ساعات عديدة قضتها إلينورا قلقة متوجسة، وعندما تأكدت أن والدها وروكساندرا قد استغرقا في النوم، تسللت من فراشها وارتدت ثياب السفر في صمت، واتجهت مباشرة إلى صف صناديق الأمتعة بجوار الباب الأمامي. وبضغطة واحدة فتحت الصندوق الأقرب إليها ورفعت الغطاء، وكما تخيلت وجدته محشوا بالسجاد، فلفت ذراعيها حول سجادة أرجوانية ضخمة صنعت في هيريكي، واستندت إلى أسفل الصندوق ثم طوحت بها إلى الأرض بكل ثقلها. تحركت بأسرع وأهدأ ما يمكنها، ساحبة السجادة عبر غرفة المعيشة إلى غرفة نومها، وجذبتها بكل قوتها إلى فراشها، ودستها تحت الأغطية، ثم أخذت خطوة للخلف وتأملت المشهد. لم يكن مثاليا، ولكنه يجب أن يجدي نفعا.
وعندما أوشكت على الرحيل، توقفت إلينورا كي تلقي نظرة أخيرة على غرفتها؛ خزانة ملابسها، فراشها، والمجلد الخامس من «الساعة الرملية» على المنضدة. فكرت للحظة في أن تأخذه معها، ولكن لم يكن ثمة مكان لأمتعة زائدة، وبدلا من ذلك فتحت الكتاب وأزالت المؤشر الخشبي الذي وجدته في المجلد الرابع. وعندئذ، تأهبت للرحيل. حملت حقيبة المؤن على ظهرها، وتسللت إلى غرفة المعيشة، ودست نفسها في صندوق الأمتعة القديم البالي إلى حد ما، والممتلئ بالسجاد الذي ينوي والدها بيعه عند وصوله.
الفصل الخامس
رفع الكاهن جيمس مولر قدمه إلى حافة فراشه، وانحنى كي يربط رباط الحذاء. «دار الأرنب حول الشجرة ثم دخل إلى جحره.» كان على مشارف الأربعين، عالما ومعلما شهيرا، ولكنه هنا كان يدندن لحن أغنية قد حفظها منذ ما يزيد على ثلاثين عاما. وكان هذا بذرة مقال عن العلاقة بين الألحان والذاكرة، أو ربما بحثا عن الطقوس الطفولية للعظماء، وهو مقال آخر لم يكن لديه الوقت ليكتبه. أزال قطعة من الوبر عن مقدمة حذائه، ثم نهض وعدل وضع معطفه على كتفيه. يشير جدول اليوم إلى أنهم سيتوقفون في كونستانتسا لفترة وجيزة لأخذ الركاب الجدد، ومنهم - حسبما تدل البطاقة الموضوعة على باب قمرته - السيد يعقوب كوهين، الرفيق الجديد الذي سيشاركه الفراش المتعدد الطوابق على متن السفينة. لا شك أن السيد كوهين يهودي الديانة، وهو ما لا يشكل مشكلة بالنسبة إلى الكاهن. فقد عرف نصيبه العادل من الصفوة في نيو هافن، رغم أن السيد كوهين هذا لن يكون بالطبع خريج جامعة ييل. وتحسس جيبه العلوي بحثا عن السجائر، وألقى نظرة على القمرة ، ولما لم يجد أي شيء محرج أو يدل على الفوضى تقدم إلى سطح السفينة.
অজানা পৃষ্ঠা