ذائقة الْمَوْت وَلَا سمع قَول الْقَائِل فِيهِ وَفِي أَمْثَاله حَيْثُ قَالَ
يَا رَاكب الروع للذاته ... كَأَنَّهُ فِي أتن عير
وآكلا كل الَّذِي يَشْتَهِي ... كَأَنَّهُ فِي كلأ ثَوْر
وناهضا إِن يدع دَاعِي الْهوى ... كَأَنَّهُ من خفَّة طير
وكل مَا يسمع أَو مَا يرى ... كَأَنَّمَا يعْنى بِهِ الْغَيْر
إِن كؤوس الْمَوْت بَين الورى ... دَائِرَة قد حثها السّير
وَقد تيقنت وَإِن أَبْطَأت ... أَن سَوف يَأْتِيك بهَا الدّور
وَمن يكن فِي سيره جائرا ... تالله مَا فِي سَيرهَا جور
ثمَّ رُبمَا أخطر الْمَوْت بخاطره وَجعله من بعض خواطره فَلَا يهيج مِنْهُ إِلَّا غما وَلَا يثير من قلبه إِلَّا حزنا مَخَافَة أَن يقطعهُ عَمَّا يؤمل أَو يفطمه عَن لَذَّة فِي الْمُسْتَقْبل وَرُبمَا فر بفكره مِنْهُ وَدفع ذَلِك الخاطر عَنهُ وَيَا ويحه كَأَنَّهُ لم يسمع قَول الله ﷿ ﴿قل إِن الْمَوْت الَّذِي تفرون مِنْهُ فَإِنَّهُ ملاقيكم﴾ وَلَا قَول الْقَائِل
فر من الْمَوْت أَو اثْبتْ لَهُ ... لَا بُد من أَنَّك تَلقاهُ
واكتب بهذي الدَّار مَا شئته ... فَإِن فِي تِلْكَ ستقراه
وَكَذَلِكَ من كَانَ قلبه مُتَعَلقا بالدنيا وهمه فِيهَا وَنَظره مصروفا إِلَيْهَا وسعيه كُله لَهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِك من طلابها المحرومين وأبنائها المكدودين لم ينل مِنْهَا حظا وَلَا رقى مِنْهَا مرقى وَلَا نجح لَهُ فِيهَا مسعى إِن ذكر لَهُ الْمَوْت تصامم عَن ذكره وَلم يُمكنهُ من فكره وَتَمَادَى على أول أمره رَجَاء أَن يبلغ مَا أمل أَو يدْرك
1 / 27