وقالت المطرفية: حدث جميع الثمار بطبع تلك الأصول، وبما فطرت وركبت عليه من أحداث الفروع، وليس بشيء منها بقصد الله تعالى ولا إرادته، ولا اختياره حالة الحدوث ولا مشيئته، وهو قول الطبايعية والملحدة وهو محال؛ لأن هذه الفروع نحو الصورة الإنسانية مثلا لو لم تكن حاصلة باختيار الصانع الحكيم وبإرادته لهذا التركيب الحكيم لم يكن الموجب لها بأن توجبها صورة الإنسان أولى من توجبها صورة الفرس أو غيرها من الحيوان؛ لأنه ليس بعالم بكيفية الأحكام، ولا مريد لنظام دون نظام، ولا كان بأن يجعل الرأس رأسا، واليد يدا، والوجه وجها، وكذلك سائر الأعضاء أولى من العكس، وأولى من أن يوجب الإنسان منكوسا، لولا أن ذلك من صانع عليم، ومرتب له حكيم، ولا كان بأن تكون النطفة والعلقة مضغة والمضغة عظاما، ومكسو العظام لحما أولى من العكس، كان يجب أن يكون الشيء الواحد على هذه الأمور، ومتى كان الموجب حاصلا، وإن لم يحصل موجبه إلا على ترتيب وجب أن يحتاج في حصوله إلى صانع مختار مع هذه الأمور.
فإن قالوا:.احتاج إلى موجب آخر أدى إلى ما لا نهاية له، وذلك محال، وإن قالوا: ينتهي إلى محدث، فإن ما أوجب حاجته إلى محدث يقتضي حاجة هذه الفروع إلى محدث، وعلى هذا ورد القرآن الكريم بأنه تعالى هو المحدث للإنسان والمصور له، بالفضل والامتنان، فقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون:12-14].
পৃষ্ঠা ৪