[الصادق المجتهد]
قال الوافد: صف لي الصادق المجتهد ؟
قال العالم: هو الذي لا يعجز عن الإجتهاد فيما يقربه إلى الله، في تحريكه وسكونه، وكلامه وقعوده وقيامه، ثم يجعل اجتهاده من جميع جوارحه، ثم يجعل تحريك لسانه، وإستماع أذنه، وبطش يده، ومشي رجله، وأخذه وعطاه، ونومه ويقظته، وجميع ما يكون منه في ليله ونهاره، يصدق بعضه بعضا، ( ثم يجعل طعامه وشرابه، ولباسه، وجوعه وعطشه، وقيامه وقعوده، وشبعه وريه، يوافق بعضه بعضا )، ويجعل جميع ذلك صدقا منه، وقصدا إلى ما يوافق إرادته، وليكن ذلك من خالص قلبه، فإن فعل ذلك كان صادقا في إرادته وعبادته، فإن الصادق المحب المستمر في الطاعات، ينبذ الدنيا وراء ظهره، فيظمأ نهاره، ويسهر ليله، ويترك شهوته، ويخالف هواه، ويقصر أمله، ويقرب أجله، ويخلص عمله من الآفات والتخاليط، ويرتعد بدنه من خوف الله، وقد ترك الدنيا عنه، لما عرف مكرها وخاف مضرتها، لم ينظر إليها بقلبه، ولم يمش إليها بقدمه، ولم يبطش فيها بيده، حذرا من شرها وفتنتها، فهو هارب بنفسه حذرا من أهلها، فقلبه غير غافل عن الله، ومداوم على ذكره، وقد عزل عن نفسه كل شغل يشغله عن الله، وأقبل على قلبه، فعمره بذكر ربه، وجعل ذلك صافيا خالصا لله، فهو خائف وجل مرعوب من عذابه، هارب من الدنيا وأهلها، محافظ على عمله، قائم على نيته، فبذلك يهتدي الضآل، ويسلك الطريق، ويستجيب الله دعاءه، ويملكه الله من قصور الجنة، ويزوجه من حور العين، ويخدمه الولدان، فطوبى له وحسن مآب.
পৃষ্ঠা ৩১৬