[مقام الأولياء]
واعلم أن مقام أولياء الله، لا يقوم به إلا من عمل عمل الصالحين، وهو الإجتهاد في الطاعات، والإنتهاء عن الشبهات، وترك الشهوات، والتوكل والتفويض، والزهد والتسليم، والإعتبار والتفكر، والورع والذكر، والخوف والخلوة، والقرب والمعرفة، والحب والإخلاص واليقين، والصدق والخشية والرجاء، وجميع ذلك لا يكون إلا من القلب الطيب الصافي الرقيق، التارك لحطام الدنيا وعنائها، فإن الله يقبل على عبده بالجود والعطاء، ما دام العبد مقبلا على صفاء عمله، لا يولي إلى غيره.
فإذا خيلت لك نفسك أنك من الصالحين، فحقق ذلك بخمسة أشياء، واختبر بها نفسك، وهي:
الأخذ والعطاء.
والفقر والغناء.
والعز والذل.
والمدح والذم.
والموت والحياة.
فإذا وجدت قلبك يميل إلى واحدة منهن دون الأخرى، فاعلم أن الذي أنت تزعم باطل، وهذا من تخيل النفس، وأنت مغتر فيما تدعي ، لم تنل شيئا مما ناله البررة الصادقون.
واعلم أن لكل شيء حقيقة، ولكل صدق علامة، فحقيقة المعرفة معرفة النفس، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه، وحقيقة الصدق الإنقطاع إلى الله ورفض الدنيا، فمن عرف ربه عبده، ومن عرف الدنيا زهد فيها، فمن عرف الله أحبه، ومن أحبه لم يعصه، وعمل بما يرضيه، وإن نعيم المحب العارف ساعة واحدة أكبر وأجلى وأطيب وأعلا من نعيم أهل الدنيا بنعيمهم، من يوم خلقهم الله إلى أن يفنيهم، وإن الله رفيع الدرجات ذو العرش له الدنيا والآخرة، حبيبهم به يستأنسون، وعلى بساط قربه يتقلبون، وفي جزيل كرمه يتنعمون، وبذكره يتلذذون، وبالوصول إليه يفتخرون، قد وعدهم من جزيل عطائه، وسعة رحمته، ومكنون فضله، ما يعجز عنه الواصف، ورضي عنهم وأرضاهم، أولئك الذين لا يشقى جليسهم، ولا ترد دعوتهم، يدورون مع الحق حيثما دار، والأرض بهم رحيمة، والجبار عنهم راض، جعلهم الله بركة أرضه، ورحمة على عباده، فطوبى لهم وحسن مآب.
পৃষ্ঠা ৩১৫