কালাম সুডুদ ওয়া কুয়ুদ
عالم السدود والقيود
জনগুলি
وتيسرت لي القراءة طرفا من الليل بعد دخول النور في الحجرة فكنت أقرأ حتى أمل الصفحات فألهو بمراقبة النمل على الجدران، ويطيب لي هذا النوع من اللهو؛ لأنني أستأنف به أياما من الطفولة كنت أقضيها في هذه المراقبة، وأكاد أصدق يومئذ أنني أعالج ضربا من الطلاسم التي كان يعرفها سليمان عليه السلام.
وذاك أن تلميذا من أصحابنا في المدرسة كان يقول لنا: إنه يحفظ قسما يتلوه على النمل ويرسم له خطا فلا يتعداه، ومن عصى القسم وحاول تعديه سقط وحلت به لعنة سليمان.
واحتلنا على صاحبنا التلميذ حتى باح لنا بذلك القسم، فإذا هو آيات يكررها القائل ثلاث مرات وهو متوضئ فتحصل المعجزة، وقد رأيناه فعلا يحز للنمل خطا على الحائط ويتلو القسم فيرجع النمل عن الخط أو يسقط دونه، وجربنا نحن القسم فصحت التجربة، وأيقنا برهة أننا نملك سرا من أسرار السحر المتصرف في خلق من خلائق الله، حتى خطر لنا يوما أن نرسم الخط ولا نتلو القسم، فما راعنا إلا أن تصح التجربة بغير تلاوة كما صحت بالوضوء والتلاوة، فعرفنا السر ولكنا أسفنا على السحر الذي فقدناه!
ومن ذلك اليوم ونحن نمتحن النمل بالخطوط لنعرف كيف «يفكر» في اجتياز العقبات واللف حول الدوائر والمربعات، وكنا نحيطه بدائرة مفتوحة ودائرة ثانية مفتوحة من جانب آخر، ونحيط الدائرة الثانية بدائرة ثالثة لا فتحة فيها، ونراقب كيف يهتدي إلى الفتحات في خروجه حتى يصل إلى الدائرة الكبيرة وكيف يهتدي إلى هذه الفتحات بعينها حين يرتد عن الدائرة المقفلة، ونكرر هذه التجربة عشرات المرات، فلا نرى نملة واحدة «تفكر» في الرجوع إلى طريق الفتحة التي تركتها منذ هنيهة، فانتهى بنا الأمر إلى أن فقدنا إعجابنا بذكاء النمل الموصوف كما فقدنا السحر أو الوهم الذي سلطنا على هذه المخلوقات، وساءنا أن نعلم أن هذه المخلوقات الموصوفة بالذكاء إنما تعمل بغير «تفكير»! كأنها من الآدميين! •••
وكانت التسلية بمراقبة الآدميين ميسرة كالتسلية بمراقبة النمل على الجدران، ولكن أين هم الآدميون الذين يستحقون المراقبة داخل السجون؟
إنهم أرقام كما وسمتهم إدارة السجن ولم تظلمهم كثيرا في هذه السمة، فقد يمر بك المئات بعد المئات من تلك الأرقام دون أن يبرز من بينها رقم واحد بشخصية إنسانية وملامح نفسية؛ لأن «التفاهة» لعنة غالبة على مجرمي «سجن مصر» إلا النادر الذي لا يقاس عليه، ومن كان منهم ذا «شخصية وملامح نفسية» فالأغلب أن يجيئه ذلك من طريق الجنون أو الشذوذ النافر، خلافا لسجناء طرة وأبي زعبل الذين يجتازون بسجن مصر في انتظار الإفراج بعد زمن قليل، فإن «الشخصيات» بين أصحاب الجرائم الكبيرة أكثر عدا من «شخصيات» السرقة الخسيسة والعدوان الوضيع، وقد رأيت من هؤلاء وهؤلاء نماذج قليلة سأرجع إلى الكلام عنها في بعض هذه الفصول.
على أن الإنسان يراقب الناس كما يراقب جميع الأشياء داخل السجن وهو «بنصف نفس» كما نقول في أحاديثنا العادية، أو يراقبهم وهو ينوي التأجيل، كمن يدخر الزاد المستطاب لساعة في المستقبل غير الساعة التي هو فيها، فينظر إليهم وكأنما بينه وبينهم مسافة أشهر وأيام، ويمتلئ بالمشاهد والتجارب وكأنه الجمل في الصحراء يختزن الماء في جوفه حتى يشربه مرة أخرى الشرب الذي ينتفع به ويشعر بريه، وربما ازدحم وعيه الباطن بالتجارب كأقوى وأثبت ما تكون التجربة، ولكن وعيه الظاهر لن يبرح كالجاهل أو المتجاهل الذي لم يسمع إلا بنصف الخبر ولم يشارف التجربة إلا من مسافة قصية.
الزيارة أو برج بابل
كان التعجب صعبا على أبنائنا الأولين على ما يظهر؛ لأنهم حصروا عجائب هذه الدنيا في سبع لا أكثر، وحسبوا من هذه العجائب «برج بابل» الذي كان سكانه لا يتفاهمون لأنهم يتكلمون بلغات كثيرة.
وكل بيت على الأرض هو «برج بابل» عجيب يأوي الناس منه إلى مكان واحد، ولا يتفاهمون فيما بينهم وإن تكلموا بلغة واحدة؛ لأنهم يفترقون في ألوان الحياة أبعد ما يختلف إنسان من إنسان: بين امرأة ورجل، وشيخ وطفل، ومهموم ولاعب، وقديم وحديث، ولا توجد أسباب للافتراق بين عقل وعقل وشعور وشعور أبعد ولا أوسع من هذه الأسباب التي تجتمع في بيت واحد.
অজানা পৃষ্ঠা