কালাম সুডুদ ওয়া কুয়ুদ
عالم السدود والقيود
জনগুলি
قلت: «يا شيطان! أهذا هو البق الذي تريد إحراقه؟»
فحاول أن يتمادى في الكتمان والزوغان، ولكنه ضحك على الرغم منه وأفصح لي بسر هذه «التهريبة» التي كانوا لا يظفرون بها إلا في الفلتات، وقال لي: إنهم كثيرا ما يشعلون خيط الصوف على طريقة قدح الزناد، ثم يقذفون به في الحجرة المجاورة فيتلقاه أحد السجناء على ذراعه الممدودة خارج «شعاع» الباب ثم يلقي به إلى جاره حتى يدور في الدور كله؛ ولذلك سموا هذا الخيط بالتليفون! •••
وماذا يصنع المدخن الذي يود التدخين لا محالة ومعدته خاوية من «ذات القرشين» أو من الزرار كما يسمون تلك القطعة في لغة الاصطلاح؟
أتراه يقلع عن تلك العادة؟ كلا ذلك آخر ما يفكر فيه، بل ذلك حديث لا يفكر فيه آخرا ولا أولا فيما يظهر، وإنما يعتمد على الثقة ومعاملات القرض والتسليف حتى يفرجها الله، وإنها لمعاملات معترف بها تسري بين السجناء سريانها بين الطلقاء، فلكل سجين «حسابه الجاري» الذي يليق بسمعته المالية وكفاءته «السجنية»، وهي على نقيض الكفاءة التي توجب الثقة في معاملات المصارف والمتاجر الخارجية؛ لأن أسوأ الناس سلوكا وأطولهم إقامة في السجن هو أحقهم بزيادة الاعتماد وحسن السمعة، وأما البريء أو المحكوم عليه في أمر يسير فذلك في حكم المفلس المعدم الذي لا يوثق به في التسليف من هنا إلى هناك!
ولا أزال أذكر صرخة الفزع التي سمعتها من أحد تجار التبغ المشهورين حين أبلغوه أن مدينه «فلانا» قد برئ في محكمة الاستئناف بعد أن كان ميئوسا من براءته وكان هو أول اليائسين المتفائلين ببقائه ... فقد صاح التاجر فيمن أبلغوه شامتين مستهزئين: «ويحكم ماذا تقولون؟ هل برءوه النذل الوضيع؟» ثم عاد فاستسلم وأناب وقال لمن حوله وكأنه يحدث نفسه: «ولكن الحق علي أنا المغفل الذي أثق بمثل هذا الكاركي الحقير!» وكان الأولى به أن يقول: «هذا البريء الحقير.» بدلا من كلمة الكاركي التي هي عندهم اصطلاح على من دخل السجن محكوما عليه لأول مرة، ولعلهم أخذوها من كلمة «الكاكي» الذي يشبه لونه لون العلامة الموضوعة على لبدة هذه الفئة من فئات المسجونين.
وربما تبادر إلى الذهن أن ديون السجن عرضة للغدر والاهتضام إذ كان صاحبها لا يجسر على المطالبة بها؛ خشية العقاب إذا هو أقر على نفسه بالتهريب والاتجار بالمحظورات، ولكن الحقيقة أن ديون السجن كديون الشرف عند جماعة المقامرين هي أحق الديون بالضياع وهي مع ذلك أبعد الديون عن الضياع، ولا شك أن الدائن يستميت في رد حقه على قدر حاجته إلى الاستماتة والمجازفة، وهو يحتاج إلى الاستماتة والمجازفة كلما قل اعتماده على المطالبة المشروعة والأصول المتفق عليها، فيذهب في طلب الدين المهرب إلى أقصى حدود العنف والإرهاب، ويلقي في روع غريمه أن رد المال أهون من الإصابة التي لا مفر منها إذا هو تذرع بالغدر والمحال، وربما استنكر «الرأي العام» بين هؤلاء اللصوص أن يأكل المدين مال الدائن في غيابة السجون، وهم جميعا لا يستنكرون الخطف والسطو والاختلاس في فضاء الله الرحيب؛ لأنهم يحتاجون في السجن إلى تجارة المهربات ويعلمون أنها تجارة قوامها الثقة والسداد، وإن كان هذا لا يمنعهم أن يعجبوا «بالشاطر» الناجح الذي يستدين ثم يتمكن من الزوغان!
ومن هؤلاء الأشقياء من يعجز عن معاملة التسليف فيهجم على التزييف وهو يتوقع ما وراءه من الخطر والعقوبة القاصمة.
رأيت من هؤلاء اثنين جاء بهما أحد السجانين إلى مكتب السجان الأول في انتظار عرضهما على حضرة المأمور، وكنت أجلس أثناء الرياضة في فناء السجن بين المكتبين المتقابلين.
فبسط لي السجان المصاحب لهما يده وقال: «انظر! هذا من تزييف هؤلاء المجرمين.» وعد أمامي ثماني عشرة قطعة من ذات القرشين صنعها ذانك السجينان في المعمل وأتقنا صنعها جد الإتقان، مع السرعة وقلة الأدوات وشدة الحذر من الرقباء، فلا تختلف القطعة الصحيحة إلا بالرنين وهو محك مأمون في داخل السجون، ومن ذا الذي «يرن» الزرار في لحظة التهريب؟ فالشياطين يعلمون أن صاحب البضاعة سرعان ما يتناول القطعة بيده حتى يقذف بها إلى معدته، ثم يختلط الصحيح بالزائف في ذلك الكيس الحي وتختفي الشبهة باختفاء القطعة بين أحشاء التاجر المخدوع.
قال أحدهما لصاحبه: «فيها خمس سنوات يا فلان.»
অজানা পৃষ্ঠা