3 المقدمة الأولى: في شرح العجب
قالوا: العجب حيرة تعرض للإنسان لقصوره عن معرفة سبب الشيء أو عن معرفة كيفية تأثيره فيه (1)، مثاله: أن الإنسان إذا رأى خلية النحل ولم يكن شاهده قبل لكثرته حيره لعدم معرفة فاعله فلو علم أنه من عمل النحل فتحير أيضا من حيث إن ذلك الحيوان الضعيف كيف أحدث هذه المسدسات المتساوية الأضلاع التي عجز عن مثلها المهندس الحاذق مع الفرجار والمسطرة ومن أين لها هذا الشمع الذي اتخذت منه بيوتها المتساوية التي لا تخالف بعضها بعضا كأنها أفرغت في قالب واحد، ومن أين لها هذا العسل الذي أودعته فهيا ذخيرة للشتاء؟ وكيف عرفت أن الشتاء يأتيها وأنها تفقد فيه الغذاء؟ وكيف اهتدت إلى تغطية خزانة العسل بغشاء رقيق ليكون الشمع محيطا بالعسل من جميع جوانبه، فلا ينشفه الهواء ولا يصيبه الفأر ويبقى كالبرنية المنضمة الرأس، فهذا معنى العجب (3)، وكل ما في العالم بهذه المثابة، إلا أن الإنسان يدركه في زمن صباه عند فقد التجربة ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلا قليلا، وهو مستغرق الهم في قضاء حوائجه وتحصيل شهواته وقد أنس بمدركاته ومحسوساته فسقط عن نظره بطول الأنس بها، فإذا رأى بغتة حيوانا غريبا أو فعلا خارقا للعادات انطلق لسانه بالتسبيح فقال: سبحان الله وهو يرى طول عمره أشياء تتحير فيها عقول العقلاء وتدهش فيها نفوس الأذكياء.
فمن أراد صحة أو صدق هذا القول فلينظر بعين البصيرة إلى هذه الأجسام الرفيعة وسعتها وصلابتها وحفظها من التغير والفساد إلى أن يبلغ الكتاب أجله، فإن الأرض والهواء والبحار
পৃষ্ঠা ৭