توحيدة مرة أخرى! ترى لماذا تشغف الشاعرة بذكرها، والإشادة باسمها، وإظهار محاسنها، ألما تنطوي عليه من توقد وذكاء؟ ألأنها جاءت العالم وعائشة حديثة السن فكانت الأم لابنتها - فيما كانته - أختا كبيرة، وكانت البنت لوالدتها أختا صغيرة؟ ألأنها رفعت عنها عبء التدبير المنزلي وكانت، في الوقت نفسه، أقرب أولادها إلى تفهم ذوقها وميولها؟ أم لاجتماع هذه الميزات في توحيدة بعد كونها البكر وهي تلك الميزة الأولى التي ذاقت الشاعرة بها لذة الأمومة للمرة الأولى؟
يتعلق بعض الأهل - لا سيما الأمهات - كل التعلق بأبكارهم. ولئن أردف قوم من المدعوين بعلماء النفس الذين لا تطمئن منهم الخواطر إلا إذا أوجدوا لكل سيل جبلا يصدمه - أن هذا التعلق يخف بعد أعوام محدودة يوم يفتح الولد على الشئون عينا ترقب وتبرز من شخصيته الخصائص المستقلة. وأن جماعة من الأمهات يداخل حبهن عندئذ بعض الكره والنكد؛ لأنهن يرين في بناتهن المنافسات والمسابقات. هذا إذا كانت الأم من دعيات التأنق وعاشقات اللألاء الاجتماعي في الأندية والحفلات.
لئن قال بعض السادة العلماء ذلك فإن قولهم ينطبق على فئة وتتملص منه أخرى. تتملص منه وتحلق فوقه في جو المحبة والرحمة والدراية تلك الفئة الصالحة من الرجال والنساء المولودين، ليكونوا آباء وأمهات؛ لأننا هنا أيضا نجد المختارين الصميمين، وعلى مقربة منهم يدب الدخلاء ويتحرش المتطفلون. والحالة الوالدية - كأية حالة طبيعية أو اجتماعية سواها - إن هي كيفت الأفراد فهي لا تكيف منهم سوى فطرتهم بجبلتها ورغباتها وميولها. لذلك لا تبدو بأسنى مظاهرها وأبقاها إلا في الشخصيات المهيأة لها. •••
وعائشة مهيأة لذلك على ما نرى من ولعها بتوحيدة - توحيدة الآلة القادرة التي تتحول بواسطتها رواكد العاطفة الوالدية عند الشاعرة تيارا دافقا. فهي تحب منها المواهب والحسنات وتخلف للعيوب الهزيلة تفسيرا لا يهتدي إليه ويترجمه بهذا اللطف، إلا من استنار بنور الجنان.
هاك مثلا لذلك:
الفتاة التي كانت تقوم بإدارة المنزل ورقابة وضيع أعماله الداخلية كانت، على ما يلوح، لا تقصر دون إتقان أعمال أخرى تقتضي بعض اللباقة، كاستقبال الزائرات والاحتفاء بهن.
فجاءت يوما بعض السيدات (ويظهر أن الغرض من زيارتهن أن يخطبنها، وهي تجهل ذلك) فخفت توحيدة ترحب بهن ريثما تأتي والدتها، وقالت ملاطفة بموجب الطقس المألوف «أوحشتونا». إلا أنها كان بلسانها لثغة خفيفة قضت بأن تجيء أوحشتونا «أوحستونا!» وهنا دخلت السيدة عائشة فسمعت الكلمة التي حرفها العيب اللفظي، فمضت تشرح ذلك العيب على هذه الصورة:
قال العواذل مذ قالت مؤانسة «أوحستنا» أنها تجفو وذاك غلط
لم يبدل الشين سينا لفظها غلطا
بل لم يسع ثغرها الزاهي ثلاث نقط
অজানা পৃষ্ঠা