لم يصدر منهم فعل يكونون به منافقين إلا ترك الهجرة، فإن وقع التولي وهو الارتداد، كان لهم حكم آخر وهو القتل. فمن أثبت النفاق في الأفعال لمخالفتها الأقوال فهو أقرب إلى الحجة والمحجة لأنهم استدلوا بظاهر هذه الآية وقضوا بأن النفاق "في الأفعال" (¬1) لما رأوا من ثبوتهم على المعاصي إذا خلوا كما قال الله تعالى: {وإذا أنزلت ........................ لا يفقهون} (¬2) واستدل الآخرون بتكذيب الله إياهم: {... قالوا نشهد إنك لرسول الله/ والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} (¬3) . فهذه الآية مشتركة بين الفريقين لأن الفريقين قد اتفقا على المنافقين يشهدون أن محمد رسول الله عليه السلام. إنا ننتضر لك في مغيبك ونشهد عند اليهود إنك لرسول الله. فشهد الله أن محمد رسوله وأنهم كذبوا. فاختلف الفريقان فقال من شركهم: إنما وقع التكذيب على الشهادة ونحن نشهد لهم بالشهادة وإنما وقع التكذيب ذما لهم وتوبيخا. ألا ترى أنه لو وقع التكذيب على قلوبهم لقال: {والله يشهد إنهم لكاذبون} فلما قال: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} وقعت عليهم الشهادة بالكذب في شيء آخر لكسر إن. واستدلوا أيضا بقول الله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} (¬4) / إلى قوله: {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} (¬5) . فلما أخبر عن الوعد باللسان وعاقب وعقب بالنفاق في القلب علمنا أنما سلبهم الإيمان الذي يكون في القلب عقوبة لهم ولن يستقيم الإيمان والنفاق في قلب واحد.
পৃষ্ঠা ৩৮৯