وقال أهل الحق: ليس للعقل وصول إلى معرفة البارئ سبحانه وتعالى إلا بتنبيه أو إلهام على استعمال الدليل. وذلك كله من أفعال الغير ولا يتسع له استعمال الأدلة لمعرفة البارئ سبحانه إلا إلى أحوال بعد المخبر والمنبه، فكيف ولا مخبر ولا منبه؟ وإنما نظره ومهلة التكليف قد سبقت له أيام الترعرع وانتهاز البلوغ. وقد جعل الله تعالى في حاسة الصبي -اعني غريزته- ما يقبل هذه العلوم شيئا بعد شيء سماعا. وقد أمكنه أيام المراهقة استعماله لهذه الأمور التي تخصه فيكون ذلك مهلة/ وفسحة لتعذر حال البلوغ من حال الغلمة. ولله تعالى ألطاف خفية وأمور قدرية تحار فيها العقول. فما لهم وللبالغ العاقل أن يشرعوا له جهل الله سبحانه؟ والله أرأف منهم وأرحم بعباده.
وعذرت القدرية كل من أتى شيئا من محارم الله عز وجل من الأمور كلها التي ليس للعقل عليها دليل حتى تقوم عليه الحجة. والحجة عندهم اثنان في قول بعضهم، ولا يقولون بأخبار الآحاد. وبعض أربعة قياسا على شهود الزنا. وبعض خمسةن وجعله حد التواتر من أسفل شروطه. وبعض عشرون لقوله تعالى: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين } (¬1) وبعض مائة، لقوله تعالى: { وإن تكن مائة صابرة ... } (¬2) وبعض مأتين، وبعض سبعون وبعض اثنى عشر. وبعض حتى يقع العلم المتواتر الضروري والكلام في هذا عند الكلام في أصول الدين.
باب في الأفعال
... اختلف الناس في حد الفعل، فقالت القدرية: ما كان مقدورا لفاعله قبل وجوده، على أصلهم في القدرة قبل الفعل. وعند المحققين أنه الموجود بقدرةفاعله على أصلنا في أن القدرة مع الفعل وفيه
حد الفعل ما لم يكن ثم كان. والله تعالى خالق أفعالنا، فهي من الله خلق ومن فعل، خلافا للمعتزلة والجهمية. أما المعتزلة فقالوا: هي لهم دون الله عز وجل. وأما الجهمية فقالت: هي لله تعالى دوننا. وأهل الحق يقولون: هي بين بين؛ كانت منا فعلا ومن الله خلقا.
فصل
পৃষ্ঠা ৩৫