وأما احتجاج الأنبياء عليهم السلام بالميزان العقلي: قال الله تعالى: حكاية عن جميع المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين في محاجتهم أممهم بقول واحد يشملهم، وجواب الأمم أجمعين على أسلوب واحد يعمهم قال الله تعالى: { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إى الله جائتهم رسلهم بالبينات } (¬1) انظر كيف أخبرنا الله تعالى أن الذي جاءت به الأنبياء إلى الأمم هو البينات. ثم قال: { فردوا أيديهم في أفواههم } (¬2) إجماعا وإزماعا على تكذيبهم/ رسلهم فقالوا: { إنا كفرنا بما أرسلتم به } (¬3) ففي الكفران الجحود، ومكابرة القوم الشهود. ثم قالو: { وإنا لي شك مما تدعوننا إليه مريب } (¬4) فكأنهم رجعوا عن الكفران إلى الشك، والشك دال على جهالتهم، وكأنهم رجعوا عن الشك بما فيه من نقيصتهم إلى الريبة بعد الشك والكفران، فالكفران مكابرة والشك جهالة. والريبة فيها بعض النقص وبعض المعذرة. { قالت رسلهم: أفي الله شك فاطر السموات والأرض؟ ... } (¬5) تقريعا وتوبيخا بعد الإقرار بفطور السموات والأرض. وفيه مكابرة الحكم العقلي إقرارا بالحدوث وإنكارا للمحدث، فهذه من الجوابات التي انطبقت عليها العقول الاسلمة من الآفات. ثم قالت الأنبياء: { يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى } (¬6) . فهذه من الجائزات، غير مستنكر في عقل كل/ أحد ... ثم قالت الأمم: { إن أنتم إلا بشر مثلنا } (¬7) . كأنهم أشاروا إلى (أن) النبياء بشر وهم بشر، فمن أين لكم ما قلتم؟ فهذه من الاستشهاد بالشاهد على الغائب وحكم التسوية، غير أنهم لم يغيبوا وجه الدليل فقالوا: { تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا } (¬8) .
পৃষ্ঠা ২৯