تلك سماء الهند شاهدة
وأرضها والجبال والسهل
وأنجم الهند ما طلعن لنا
وما رعتنا عيونها النجل
إني على العهد ما حييت فإن
خلوت تبقى العهود لا تخلو
فكان الملك يسمع هذا الإقرار الصريح، وهو حنق هائج، لذكر اسم «آشيم» ابن الخصم الأشد، والعدو الألد، الذي ما من صداقته بد، وكلما هم أن يقطع على النائمة كلامها، أو يكدر عليها أحلامها، منعه الطبيب مخافة أن يعجل ذلك للفتاة حمامها، إلى أن باحت بسرائرها من أولها إلى آخرها، ولم يبق سوى تنبيهها ورد الإرادة إليها، فالتفت شنو إلى الملك قائلا: إن كنت يا مولاي تريد حياة الأميرة، ولا تريد قتلها في هذا الشباب الغض، والعمر النضير، فاكتم عنها خبر ما رأيت وما سمعت؛ لأنها إن علمت أن أحدا وقف على سيرتها، أو اطلع في الغرام على سريرتها، راحت بشر حالة، ثم هلكت لا محالة. قال: ولكنني يا شنو لا أطيق أن تعيش ابنتي على عشق ابن عدوي، ولا أن تموت عليه، فصف لي بحقك حيلة، فحيلتي اليوم قليلة. قال: إن الغرام المتمكن يا مولاي لا ينفع فيه إلا العزلة وجوار البحر. قال: إذن فاختر لي مكانا أجعلها فيه، ينفع صحتها ويعصمها من يد «آشيم» إلى حين. فأطرق المنجم برهة، ثم قال: قد وجدت يا مولاي المكان الذي تكون فيه كالشمس في سماء الوجود، ولا تستطيع إلى معشوقها النزول، ولا يستطيع معشوقها إليها الصعود. قال: أين؟ وكيف؟ قال: يوجد يا مولاي على مسيرة أيام من الساحل الجنوبي الشرقي لهذه المملكة، أرخبيل منعزل خشن اللمس من جميع الجهات لكثرة الحجر في مياهه، عزيزة منال المداخل على السفن، ولو أنها من حديد، فلتنقل الأميرة إلى إحدى جزره، ولتقم هناك سبعة أعوام كاملة، وليرافقها في كل هذه المدة طبيب ماهر ممن تعهد فيهم العلم، وتعرف لهم الإخلاص؛ لأني أرى الداء متمكنا من هذا الجسم الناعم، محتاجا إلى عناية فائقة، وسهر من طبيب حكيم. فأطرق الملك برهة ثم قال: وأنا يا شنو لا أجد من أتكل عليه في هذه المهمة سواك. قال: أعفني يا مولاي بفضلك، وانظر في أمري بعين عدلك. إنني خرجت من السجن إلى بلادك، لم ألو على أهلي وأولادي، ولم أتمتع من شميم نسيم بلادي. قال: كل هذا مضمون لك في المستقبل، مأمون ميسور، مع الزمن يهون، وأما الآن فلن يكون إلا ما شئت أن يكون. قال الطبيب واحتد بالغضب: إن مولاي وسيدي تيتو أولى بي منك أيها الملك، وإنه سوف يعوزه منجمه وطبيبه، فيسأل عن أمري فبماذا أنت مجيبه؟ قال: ولكنه سامح بك يا شنو؛ إذ وهب لي عقوبة ذنبك، وإن كنت في ريب مما أقول؛ فهذه رسالته اقرأها تخرج من ريبك. فلما اطلع الطبيب على الرسالة أطرق امتثالا، وانحنى خشوعا وإجلالا. ثم قال: الآن أنا لك وإليك، ووقف يا مولاي عليك. قال: إذن فإني ناظر في أمر السفر وتهيئتكم له، تارك لك أنت تدبير الخروج من مياه المملكة، وقيادة الأسطول الذي يسير بكم، واختيار الجزيرة الصالحة للمقام.
ثم إن الملك أخذ في العمل بكل خفاء وتستر، ومداراة وتنكر، بحيث لم يمض أسبوع حتى صار الأسطول على قدم الاستعداد التام، لا ينتظر إلا الإشارة بالقيام، حتى إذا صدرت إليه خفية، خرج فأدى المأمورية ثم رجع بسلام.
الفصل الثاني
الببغاء الأسود
অজানা পৃষ্ঠা