فجاءته بها فوقف ورفع يديه إلى أذنيه وكانت هي عند الباب فقالت له وهي تهم بالخروج: «اذكر يا عمي أنه هو أيضا لا يحبني.»
فما استطاع الشيخ أن يتوجه بقلبه في صلاته إلى الله وحده، إلا بجهد. •••
وخطر للشيخ بعد مدة أن الأولى أن يبعد محمودا عن الحديقة، وأن يكل إليه عملا آخر في الغيط، فإن البعد رحمة في بعض الأحيان، وأخلق بهما إذا قل لقاؤهما أن يفتر بينهما هذا العداء، ثم من يدري؟ ... لعلهما حينئذ يتحولان إلى ... ولكن من يدري؟ من يدري؟ ... على كل حال هذا خير من قرب يثير بينهما حربا ...
غير أن الأقدار لم تمكنه من إمضاء عزمه، فقد أصابه برد ثقلت وطأته على جسمه المتهدم، فأحس الرجل بدنو الأجل، ودعا إليه رقية، وأدناها منه على سريره وقال: «قلت لك يا رقية إني كنت أحيانا أحلم بأشياء ... وأخشى أن أكون قد أسأت من حيث قدرت أن أحسن، ولست أحب أن ألقى الله بضمير مثقل بهذه التبعة. نعم كان يسرني أن أوفق بينك وبين محمود ... هو أيضا ليس له غيري، ولكني لا أحب أن تشعري أن عليك أن تفعلي شيئا لا لسبب إلا ظنك أن هذا يرضيني، إن حياتك أمامك فاصنعي بها ما تشائين، كنت أحب أن يطول عمري حتى تكبري، فأتركك مطمئنا، ولكنه لا راد لقضاء الله ... وقد تركت لك أكثر ما أملك واحتطت فلن ينازعك أحد، وتركت له ما فيه الكفاية، فاحرصي على مرضاة الله ثم مرضاة وجدانك، ولا تجعلي بالك إلى ما تظنين أنه يرضيني ... هذا ما أردت أن أقوله لك ...»
فلم تستطع أن تقول شيئا؛ فقد انهمرت دموعها وخنقها البكاء.
وبعد يومين ذهب الشيخ الكريم في سبيل من غبر ...
وظهر أنه وقف ماله، فترك لها نصف الأرض ولمحمود النصف الآخر، أما الدار التي في القرية والبيت الكبير في مصر فجعلهما شريكين فيهما بحيث لا يستطيع أحدهما أن يحدث فيهما شيئا - كائنا ما كان - إلا باتفاقهما على ذلك، وآثرها على الفتى ببيت صغير آخر تحته دكان، وجعل النظارة لتاجر من أصدقائه، ولكل منهما نصيبه من بعده.
وبعد الأربعين خفت الفتاة والفتى إلى مصر إجابة لدعوة الشيخ سعيد ناظر الوقف، وقد قابل كلا منهما على حدة.
قالت الفتاة بعد أن سلمت وجلست: «لست أفهم شرط عمي فيما يتعلق بالبيتين.»
قال: «الأمر سهل ... إذا أردت مثلا أن تسدي شباكا فلا يجوز لك هذا إلا بموافقة محمود، وإذا أراد محمود أن يفتح بابا أو يبيض جدارا فلا يكون له هذا إلا بإذنك وموافقتك.»
অজানা পৃষ্ঠা