ثم إن الله - عز وجل - لما علم أن بيان الأشياء مقصور على الشاهد دون الغائب، وعلى الحاضر دون الغابر، وأراد تعالى أن يعم بالنفع في البيان جميع أصناف العباد، وسائر آفاق البلاد، وأن يساوي فيه بين الماضين من خلقه والآتين، والأولين والآخرين؛ ألهم عبادة تصوير كلامهم بحروف اصطلحوا عليها، فخلدوا بذلك علومهم لمن بعدهم، وعبروا به عن ألفاظهم، ونالوا ما بعد عنهم، وكملت بذلك نعمة الله عليهم # وبلغوا الغاية التي قصدها عز وجل في إفهامهم، وإيجاب الحجة عليهم، ولولا الكتاب الذي قيد على الناس أخبار الماضين لم تجب حجة الأنبياء على من أتى بعدهم، ولا كان النقل يصح عنهم، ولذلك صارت الأمم التي ليس لها كتاب قليلة العلوم والآداب، وقد امتدح الله - عز وجل - تعلم الكتاب في كتابه، [ومن احتجاجه على الناس به] وبين احتجاجه على الناس به، فقال: {اقرا باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق*اقرا وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم} وقال: {أولم تاتهم بينة ما في الصحف الأولى} وقال: {ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين}.
পৃষ্ঠা ৬২