وهذه فضيحة لم يسبقوا إليها، وقد أجمعوا على أن القرآن لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، وإنما أنزل نجوما في نحو ثلاث وعشرين سنة. وقد دل على ذلك الله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}. فهؤلاء إن وافقوا المسلمين في هذا فقد بطل قولهم.
وإن قالوا: أنزل جملة، خالفوا رب العالمين وخلقه أجمعين، ثم متى نزل عليه كله، في أول رسالته أم في آخرها أم في أي وقت. ثم إن هذا شيء لا يعلم بالعقل، وإنما يعلم بالنقل، فعمن أخذوه؟ ومن نقله لهم؟ وأين روي هذا ومن رواه؟
وإن قالوا: ما أنزل من القرآن شيء أصلا ولا يتصور نزوله وكل ما جاء من الآيات والأخبار في هذا مجاز لا حقيقة له، وهذا الكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ليس بقرآن، وإنما هو عبارة القرآن، وإنما سمي قرآنا مجازا.
قلنا: قد سبقت الدلالة على بطلان هذا بأدلة كثيرة قاطعة يقينية، فلا يلتفت إلى ما خالفها.
ثم نقول: حمل الكلام على المجاز تأويل، وكل متأول محتاج إلى شيئين:
أحدهما: بيان احتمال اللفظ لما حمله عليه.
والثاني: بيان دليل يصرف إليه.
فيحتاج ههنا إلى بيان وجود قرآن حقيقي سوى هذا الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما نعلم لهم في هذا دليلا من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا عرف المسلمين قرآنا سوى هذا، فإثبات قرآن لا دليل عليه ولا سبيل إليه، ثم لابد في المجاز من سبب تجوز تسمية المجاز باسم الحقيقة. إما اشتراكهما في المعنى المشهور في محل الحقيقة، وإما تجاورهما، وإما غير ذلك.
পৃষ্ঠা ১৪৬