هذا التنوع في التأليف ناتج من اطلاعه وثقافته الواسعة فهو يؤلف بثلاث لغات، فضلًا عن مقدرته في التوليف وذكائه الذي أسعفه؛ فكثرت مؤلفاته وانتشرت وتوزعت حتى ذاع صيته بين البلاد، فكان القرآن الكريم سنده في كل ما ولف، والحديث النبوي الشريف وكتب الفقهاء؛ لذلك نراه امتلك أسلوبا متراصفًا فصيحًا جاءت كلماته في مواضعها، وعبر عن الفكرة التي يريد طرحها بوضوح واختصار.
ثانيًا: منهجه في الباب الأول:
خطبة البُلغة:
تقدم في الباب الأول من البُلغة، خطبة الكتاب التي تقابل المقدمة في الوقت الحاضر، والمقدمة في البُلغة مقابلة للتمهيد إلاّ أنها أي (مقدمة البُلغة) أكثر اتساعًا وتفصيلًا.
ففي الخطبة ذكر محمد صديق حسن خان منهجه وسبب التأليف ومادة جمعه، وأِشار إلى عناية علماء السلف المبرزين وجلة من الخلف المتقنين بعلم اللغة، لكن لم يعنَ بأصولها وارتيادها كما يشير إلاّ واحد من الفحول هو السيوطي (ـ٩١١ هـ) ووسمها بالأنواع خلافًا لصاحب البُلغة التي عدّها أصولًا وأسماها (البُلغة إلى أصول اللغة) (١)، فالسيوطي حاكى به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع كما يشير إلى ذلك في المزهر وكذا صاحب البُلغة (٢).
وقد وجدت أن السيوطي قد أخذ منهج كتابه هذا في كل تقسيماته وأنواعه الخمسين من كتاب معرفة علوم الحديث للإمام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري (ـ٤٠٥هـ).
فمثلًا في النوع الثامن: وهو المرسل، والتاسع: وهو المنقطع لدى الامام النيسابوري، يماثل النوع الرابع: وهو معرفة المرسل والمنقطع لدى السيوطي (٣)، وفي النوع الخامس والعشرين في معرفة الأفراد من الأحاديث للامام النيسابوري، يماثل النوع الخامس عشر في معرفة المفاريد لدى السيوطي (٤) وهكذا لو تتبعنا العنوانات والأنواع في كلا المصدرين من معرفة علوم الحديث والمزهر في علوم اللغة وأنواعها، لوجدناها متماثلة لكن الأولى في الحديث والثانية في اللغة.
_________
(١) ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: ٣،٤.
(٢) ينظر: المزهر في علوم اللغة وأنواعها: ١/ ١، ينظر: البُلغة إلى أصول اللغة: ٣،٤.
(٣) ينظر: معرفة علوم الحديث: ٢٥ - ٢٧، ينظر: المزهر: ١/ ١٢٥.
(٤) ينظر: المصدران نفسهما: ٩٦،: ١/ ٢٤٨.
1 / 30