كتاب من السيد بوجولا إلى السيد هنري غيز قنصل فرنسا في حلب
قرأت - يا سيدي - مخطوطة «مشاهداتكم» التي شئتم أن تطلعوني عليها طالبين رأيي فيها. إن مؤلفكم - وهذا ما كان يمكنكم أن تتوقعوه - قد أعجبني جدا، قرأته قراءة عابرة، ثم قراءة من يحاول أن يستنير ويستفيد. لقد رددتم إلي شبابي؛ إذ وضعتم أمام عيني تلك البقعة: بيروت ولبنان، التي زرتها منذ خمسة عشر عاما، فأعدتم إلى ذهني صورة مدينة بيروت الغريبة غير المنسقة، والحقول المغروسة أشجارا من التوت الجميل، وغابة الصنوبر القائمة مكان الغابة القديمة التي زارتها فئوس فرساننا الصليبيين، وقمة القديس ديمتري الحلوة؛ حيث طافت أحلامي عشرين عاما، وأخيرا بدا لعيني لبنان بأوديته المدهشة، وأرزه الأثري، وديورته وأمرائه، وشعبه، وتاريخه المفجع. •••
إن «مشاهداتكم» - سيدي - لتفيض بوصف العادات والتفاصيل الطريفة والآراء اللاذعة والوثائق على اختلاف أنواعها؛ وصفتم الشعوب التي عشتم طويلا بين ظهرانيها، فأوضحتم لنا عاداتها وأخلاقها وتفكيرها ونفسيتها. إنكم تقصون وتحكمون حكم رجل البلاد المجرب، ولكن بتفوق الأوروبي الذي ينظر من أعالي المدنية المسيحية. فالسائح الذي يريد أن يطوف سوريا، ببساطة واستفادة، يجد - ولا شك - في كتابكم دليلا له. والتاجر الذي يريد أن يعقد صفقاته يستوحي نصائحكم ويهتدي بمعلوماتكم. وقناصلنا في سوريا يتعلمون منه حقوقهم وواجباتهم. وأخيرا إن مؤلفي كتب الرحلات في سوريا - الذين يهمهم إصلاح خطئهم وإكمال دروسهم - سيرجعون إلى كتابكم فيجدون أجل الفوائد.
ليس كتابكم بنظرة عابر سبيل، ولكنه نتيجة ملاحظات أربعين سنة صرفت في درس العادات والسياسة وعلم الآثار القديمة. إنكم لم توجهوا كلامكم إلى الشعراء، بل إلى رجال العمل؛ فخيالكم هو الحقيقة بعينها.
سوف لا نفتش في كتابكم عن إناقة الإنشاء وفخامة الوصف، فمن يكونون في بيروت وحلب لا يهتمون بجمال الأسلوب؛ لأنهم بعيدون جدا عن شئون المجمع العلمي وشجونه ...
سوف نجد في هذه «المشاهدات» طابعا خاصا له لذته، كما نجد فيها الكثير من الصراحة وعدم التصنع. إن كتابكم هذا لشرف لكم، وسيكون أثرا خالدا لإقامتكم في سوريا، ولاسمكم الذي تجلله خدمات مشرفة للدولة، وستكسبون بذلك شهرة عظيمة.
ثقوا - سيدي - بالغبطة التي أشعر بها وأنا أكتب إليكم هذه الأسطر، وبالذكرى الجميلة التي أحفظها لضيافتكم لي في سفوح لبنان.
بوجولا
أكوان، قرب باريس، 25 آب 1846
مقدمة
অজানা পৃষ্ঠা