هذا كتاب ضخم، يصور لنا بيروت ولبنان يوم كان مؤلفه قنصلا فرنسيا في الربوع اللبنانية؛ فالمسيو هنري غيز قنصل ابن قنصل، ولد في ديارنا، ونشأ على هذا الساحل اللازوردي، وتعلم الفرنسية كما نتعلمها نحن؛ لأنه ربيب أسرة عتيقة المقام بهذه الأرض.
في كتاب هذا القنصل آراء، منها المختمر ومنها الفطير، وفيه أوهام وحقائق، وفيه جد وثرثرة. ترجمته ترجمة لا تخرج عن الأصل، ولم أسقط منه إلا ما لا يحتمل ذكره ولا يطاق، وهذا قليل. لم أرد على المؤلف عند كل رأي لا نقره نحن؛ لئلا يضيع القارئ في أودية الحواشي. فمن يقرأه يعلم ما أعرف ويرى ما أرى؛ فأنا لم أعربه ليقرأه الأجانب.
كلنا نعلم أن السائحين - كالشعراء - في كل واد يهيمون، فكيف بهم وقد جاءوا لبنان الذي هامت فيه وبه أمم المسكونة؟! فكلهم امتدحوا وذموا، وهذا شأن كتاب الرحلات، وأكثرهم يعمل من الحبة قبة.
أما نحن - الشرقيين - فقد كفانا كاتبنا العظيم - شيخنا أحمد فارس الشدياق - شر هؤلاء جميعا، كما استقل بأعباء عرفان الفضل في كتابه «كشف المخبا عن فنون أوروبا»، فأعطى الحق صاحبه.
واحدة بواحدة، والبادئ أظلم.
وبعد، فأشهد الله وملائكته أنني ذقت الأمرين قبل أن جعلت بعض كلام المؤلف آخذا برقاب بعض؛ فصاحبنا يقطع من كل واد عصا، ويفر من موضوع إلى موضوع فرا عجيبا غريبا؛ فهنري غيز هو مكر مفر، لا جواد امرئ القيس السعيد الذكر ...
أجاد المسيو بوجولا في المقدمة - وهي أول ما تقرأ - حين عرض لإنشاء المسيو غيز وأسلوبه، فقال: «سوف لا نفتش في كتابكم عن أناقة الإنشاء، وفخامة الوصف، فمن يكونون في بيروت وحلب لا يهتمون بجمال الأسلوب؛ لأنهم بعيدون جدا عن شئون المجمع العلمي وشجونه ...»
ففي سبيلك وذمتك - أيها القارئ الكريم - ما قاسيت، وحسبي رضاك، وأنت نعم الوكيل لمن يعيش بين الحبر والورق والأقلام.
مارون عبود
عين كفاع (لبنان)، صيف 1949
অজানা পৃষ্ঠা