قال الإمام المهدي عليه السلام: ويقول الرازي إنك الآن بنيت دليلك على قاعدة قد عرفت أنها منهارة، وأنها غير مستقيمة، وأن استقامتها يستلزم قدم العالم وذلك حيث قلت في الجواب عن شبهة الفلاسفة أن الفاعل لا يفتقر إلى المرجح في إيجاد أحد المستويين عنده وصرحت بذلك، وأنه يصح من الجائع أن يبتدي بأي جوانب الرغيف لا المرجح، وكذا الملتجي إلى الهرب يسلك أحد الطريقين المستويين لا المرجح، وربما ادعيت العلم الضروري بذلك فكيف يصح لك بعد هذا الاعتراف أن تبني عليه مذهبك في خلق الأفعال وتجعله معتمدك أي إنصاف هذا،ثم إنا نقول هب أنك قد رجعت عن ذلك الاعتراف والتزمت قول الفلاسفة فإنك قدر صرحت أنه لا مخلص عن شبهتهم تلك التي تقتضي قدم العالم إلا بتجويز أن الفاعل يصح أن يفعل أحد المستويين عنده وإلا لزم قدم، فكان شأنك هاهنا إن كنت باقيا على القول بحدوث العالم أن تبين لنا ما قد حصل لك في دفع شبهتهم بغير هذه الطريقة التي شهدت أنه لا مخلص من القول بقدم العالم إلا بها، فإن كنت باقيا على العجز عن حل شبهتهم فلقد ارتحلت أكبر الجهلين، فإن جهلك بحدوث العالم أعظم من جهلك بأنا المحدثون لأفعالنا، وإن كان قد اتضح لك طريق آخر فكان من حقك أن تدل عليه لتحل به شبهة القوم ويزول اللبس الذي قد ذكرت من أنه لا مخلص منها إلا بذلك الاعتراف، وإلا فقد أخللت بواجب قطعا، ثم إنا وإن سلمنا أنه لا خلل عليك في الرجوع فإن دليلك هذا قد أورده ابن الحاجب ثم قال: إنه اعترضه بما معناه أنه يؤدي إلى القدح فيما علمناه ضرورة لأنه يستلزم أن أفعالنا كلها ضرورية، وإذا كانت ضرورية لزم ألا يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية.
قال: ونحن نجد الفرق بينهما ضرورة، هذا معنى كلامه.
قلت: فقد شهد بعض القوم على نفسه وأصحابه أن مذهبهم في خلق الأفعال يؤدي إلى القدح في المعلوم ضرورة، وكل مذهب أدى إلى الدخول في السفسطة باعتراف الذاهب إليه فالواجب رفضه وإبطاله، هذا هو الجواب الجدلي.
وأما الجواب الحقيقي فبيانه أن هذا الدليل مبني على أمرين باطلين:
أحدهما: أنه لا يصح الفعل إلا لداع ومرجح، وقد قدمنا الكلام على المسألة وأوضحنا أن الحق أنه يصح فعل أحد المستويين لا لمرجح، وقامت الدلالة على ذلك على وجه لا يمكن رده.
পৃষ্ঠা ৬৩