فصل واحتج إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالعقل: {إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون، قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين، قال هل يسمعونكم إذ تدعون، أو ينفعونكم أو يضرون} ومن ذلك قوله تعالى: {ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب...} الآية. فاستحالة خلق الذباب على من دون الله من الآلهة التي يعبدونها استحالة عقلية لا يتوقف الحكم بها على السمع، واعتقاد ذلك هو في حكم الله مما يتعلق به الثواب والعقاب فهو نص في موضع النزاع، فإنه قال في (العضد) ولا يعني به أن العقل لا حكم له في شيء أصلا، بل إنه لا يحكم بأن الفعل حسن أو قبيح في حكم الله تعالى ، ويلزم على هذا أن حكم العقل بالإيمان بالله وبوجوده ليس بحسن لما كان في حكم الله تعالى، وأنه لم يحكم الله بالإيمان به عندهم لحسنه لنفيهم العلل والأغراض، ومن ذلك قول الله تعالى: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} ووضوح دلالة هذه الآية على هداية الله إلى ما هو حق في نفسه والتمييز بين هدايته إليه وهداية غيره بين جلي، وصريح غير خفي، ولو لم يكن الحق حقا في نفسه لم يكن فرق بين من يهدي إلى ما يأمر به مما لم تثبت له الصفة التي يدرك العقل أنها حق فجعل الله سبحانه وتعالى ذلك دليلا على بطلان قول المشركين في جعلهم من لا يهدي إلى الحق آلهة، ومثل ذلك قوله تعالى: {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} وكذلك قوله: {والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير} وقوله: {أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن} وقوله تعالى في سورة براءة: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} وفي سورةالصف:{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} وفي سورة الفتح: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا}.
পৃষ্ঠা ৪৭