فتغامز الشيخان وابتسما متعجبين من سلامة نية «ماري» وصفاء طينها، ثم عادا إلى القاعة يعيدان من لعب النرد - الطاولة - ما قطعه عليهما قدوم الزائرين، وكل امرئ بشأن نفسه لاه وكل يغني على ليلاه.
2
أشد الغم عندي في سرور
تيقن عنه صاحبه انتقالا
وانصرفت «ماري» إلى غرفة طفليها، ولبثت هناك ترعاهما حتى أخذها الرقاد، فعادت إلى القاعة والشيخان فيها يلعبان «ويلعب بهما الزمان»، فجلست على مقربة منهما متلهية بالزركشة عن خطرات البال، ولكنها لم تستطع قرارا، بل كانت تنهض المرة بعد المرة إلى الشباك، فتنظر إلى السماء، فترى بقايا الغيوم مبددة في فضاء الأفق، وفضالات البروق متكسرة على صفحات الجو، وتنظر إلى الأرض، فتبصر الماء والوحول مما تخلف من السيول، فتطير نفسها شعاعا وينخلع قلبها ارتياعا، فتدعو الله في سرها أن يذهب عنها الخوف والقلق، ويعيد زوجها بالسلامة، فلما أتت الساعة العاشرة ليلا غلب عليها الاضطراب وتولاها الاكتئاب؛ فقالت موجهة إلى والدها الخطاب: لم يعد بعد «ڤكتور» يا أبتاه. - لا تجزعي يا بنية، فلعله اختار أن يبيت في «سرڤيل». - وقال الكونت: لو كنت في سنه لفعلت ذلك لا محالة. - ولم يا سيدي؟!
فتواردت خواطر الشيخين عند سماعهما هذا السؤال من «ماري»، فضحكا منه معا فاستنفرت، وأعادته ملحة في طلب الجواب؛ فقال الكونت: تسألين عما يدعو «ڤكتور» إلى أن يبيت في «سرڤيل»؟ فاعلمي أن هناك نساء حسانا يسألنه ذلك لا محالة، وما يهون على الفتى مخالفة أمر الحسان.
فأصابها سهم هذا الجواب في قلبها فجرح وبرح؛ لأنه لم يخالج فكرها من قبله أن في الدنيا امرأة غيرها يرتاح «ڤكتور» إلى رضاها، ويسره أن يبيت في مغناها، ولم تكن تعرف الغيرة ولا العادة الفاسدة التي تجيز للرجال على وجه ما خيانة نسائهم؛ فعظم تأثير هذا الخاطر فيها غير أنه كان لحسن حظها سريع الزوال، فإن «ڤكتور» لم يبت في «سرڤيل» بل عاد إلى المنزل في تلك الساعة فسكن جأش «ماري»، ولكن لم تزل من نفسها آثار الانفعال، أما هو فلم يلبث في القاعة إلا قليلا، ثم طلب الانصراف معتذرا بما ناله من التعب والمشقة في النهار، ودخل مخدعه من غير أن يمر بغرفة زوجته خلافا لما جرت به عادته من يوم عرسها إلى ذلك اليوم.
ومذ حينئذ أيقنت «ماري» بفتور محبة «ڤكتور» واستيلاء الملل منها عليه، فكان محصل ما يمر بها من الخواطر مماثلا لقول الشاعر:
لعيني كل يوم فيها عبرة
تصيرني لأهل الحب عبرة
অজানা পৃষ্ঠা