ولن يعدم أن يكون في الخلق من قد استبهم عن الفهم(1)، وولج في مضائق الحيرة، أعمى حيران، يدعو إلى العمى، ويقول: اعتزل البدع، وفيها اضطجع، ويقول: اجتنب الشبهات وفيها وقع، متبع لآثار أوليه، مقتد بآبائه، أكثر ما عنده تقليد أسلافه، وائتمان أكابره. والإنسان على ما جرت عليه تربيته، والإلف إلى ما سبق إلى اعتقاده، ضنين بفراق عادته، لم يتقسم التفتيش قلبه، ولم يجر في طلب طرق البحث فكره، ولم تميزه المناظرة، ولم يعتوره الإحتجاج، ولم يتنسم(2) روائح اليقين، ولا نظر في العلل التي معرفتها نهاية الإستبصار، متوسد غمرة الإختلاف وحيرة الفرقة، غفل عن تمييز الأمور، فهو عقيم القلب من لقاح الهدى، ظمآن إلى مرشد يحسن تبصرته، ويريه الحق من وجوهه، وليس على يقين مما اعتقد، والظن مستول على قلبه، والشبهة دواؤه، والحيرة ثمرته، نتاج إرادته الإختلاط، ولكل أمر سبب، والعلل كثيرة، والأسباب متفاوتة، مجتمعة ومفترقة، لا يميزها إلا من وطئ أوائل الأمور التي بها يهجم على معرفتها، ولكل شيء منها حد متى تعدي سلم متعديه إلى الهلكة؛ لأنه جاز(3) الحدود المضروبة له.
পৃষ্ঠা ১৭৪