وليست فترة من الهدى، ولكنها فترة من الرسل، وفيها كتبه وحججه، وبقايا من أهل العلم يحيون العلم ويحيون به، قد وجهوا لله رغبتهم، وامتحنهم الله بأهل دهرهم، قد تمسكوا بنور كتابه، وعرفوا مواقع حججه، في كل بدعة حدثت، أو شبهة نزلت، فهم من الناس في أذى وجهد، ومن الله سبحانه في كلاءة وحفظ، فهم الأقلون عددا، والأعظمون عند الله قدرا، ولن تخلو أمة من مغتال لها مفرق لجماعتها، وآخر داع إلى هداها وصلاحها؛ ممن نظر فاعتدلت فطرته، وصفت طبيعته، وكان نظره بعين النصيحة لنفسه، قد ملك عقله الحكم على هواه، وقيد شهواته بإسار الذل تحت سلطان الحكمة، فأسلمه ذلك إلى مباشرة اليقين بربه، فاستلان ما استوعر منه (المترفون ، واستأنس إلى ما استوحش منه)(1) الجاهلون، وصحب الدنيا أيام حياته وقلبه معلق بالمحل الأعلى، لا تعتريه سآمة ولا فتور؛ من طلب ما أمل من عيش مقيم، قد أيقن بالخلف فجاد بالعطية، دله الله فاستدل، وخاطبه ففهم عنه أحسن الإرشاد، طيبة نفسه(2) بكل ما بذل في جنب الله؛ لأنه هجم على اليقين، وأنس بالتقوى، فضمنت له النجاة، وخرج من غمرات الشكوك إلى روح الإستيقان، فأقام الدنيا مقامها الذي أقامها الله، واستهان بالعاجلة، وآثر العاقبة، ومهد لطول المنقلب.
পৃষ্ঠা ১৭৩