فمن أدرك أزمنتهم، وشاهدهم في عصورهم، وقامت عليه حجتهم، لزمه الإقرار بهم، والتسليم لأمرهم، والقبول لما جاؤا به، وسقط عنه كثير من الكلفة في تمييز الأخبار، وامتحان الناقلين. وبحسب ما قامت عليه الحجة؛ كلفه الله الذب عن دينه، والقيام بحجته.
ومن تراخت به الأيام عن لقائهم، وكان في غير أعصارهم، كانت الحجة عليه في معرفتهم، والقبول لما جاؤا به، والديانة لما دعوا إليه : توالي الأخبار التي في مثلها يمتنع الكذب، ولا يتهيأ بالاتفاق، ويكون سامعها مضطرا في فطرته إلى أن ناقليها لا يمكن مثلهم الكذب، ولا التواطؤ على مقالة(1)، كقوم مختلفي الأجناس، متبايني الديار، متقطعي الأسباب، متفاوتي اللقاء، متراخي الأزمنة، ينقلون خبرا واحدا، متسق النظام، محروسا عن الغلط، محصنا عن الوهم، ولعله يجرح(2) في مال أحدهم وبدنه، لا يعارضهم فيه معارض بتكذيب، قد كاد ولما أن يكون عيانا(3). وقد يجيء بين ذلك أخبار بعضها مستحيل كونه في العقول، ويبعد أن يجيء بمثلها رسول؛ لما فيها من الكذب والزور(4)، ولن تجيء هذه الأخبار مجيء إجماع أبدا، وإنما سبيلها الشذوذ، والغلط في التأويل، وفي معرفة مخرج الخاص(5) من العام، وفي معرفة المحكم من المتشابه.
পৃষ্ঠা ১৭০