فقال لها فؤاد: عرس العريسين بقلبيهما وليس ثيابهما.
وبعد مضي شهرين على تلك الاستعدادات كانت بديعة في بيت فؤاد، ولم ترهب دخول بيت غريب عنها لأنها كانت قد استعدت لهذا من قبل؛ إذ كانت قد خالفت بنفسها تلك القاعدة المصطلح عليها عند بني وطننا، من أنه من الحشمة أن لا يقال شيء عن البيت الجديد المزمعة أن تدخله الفتاة. ولما كانت بديعة «خادمة» كانت تعتبر العمل أشرف شيء على الأرض، فلما أصبحت «سيدة» على بيتين عظيمين لم يقلل هذا من حبها للعمل شيئا، وكانت تشتغل بيديها وتعمل كل شيء تقدر عليه، وما لا تقدر على عمله تناظر على الخدم الذين يكونون يعملونه.
ولما ولدت بديعة بنتها البكر لم تحتج إلى من يعلمها الاعتناء بها؛ لأنها كانت قد تعلمت كل هذا وهي عزباء، وكانت تقول للخادمة متى طلبت منها أن تلبس وتغسل لها الصغيرة: إنها لا تشعر باللطف والحنو حين مرور يدك على جسمها اللطيف، كما تشعر بهما من يدي فتطلب من الله مجازاتي على ذنبي العظيم.
ومعلوم أن هذه الوالدة التي قضت كل أيامها الماضية تدرس واجبات المرأة الفاضلة، كانت والدة وسيدة وخادمة وزوجة وملكة بجمالها ووجاهتها وآدابها بوقت واحد، وكانت تقوم بكل هذه الواجبات بأمانة وتسعى نحو الكمال النسائي بقدم ثابتة؛ لأنها عرفت واجباتها نحو نفسها ونحو الغير: نحو نفسها «بأن تثقفها وتهذبها دائما، ونحو غيرها بأن تعمل بذلك الغير كما تريد أن يعمل بها»، وهذه قاعدة كل دين وأدب وفضل.
وبعد ولادة الصغيرة بأيام دخل فؤاد غرفة زوجته فوجدها تلاعبها وتقبلها وهي مسرورة بها، فاقترب منها مظهرا الغيرة وقال: هل أنت سعيدة بها يا بديعة؟
فنظرت إليه وابتسمت تلك الابتسامة التي كان يحسبها كل سعادة وحلاوة في الحياة، وقالت: إن سؤالك معجب يا حبيبي؛ إذ ما هو يا ترى الشيء الذي يسر قلب الأم كالولد؟
قال: ولكن الأب يخسر قسما من حب زوجته؛ إذ يعطى للولد فيغار منه.
وكان جواب بديعة أن ناولته ذلك الملاك وقالت ضاحكة: ذكرني كلامك بما كنت أسمعه في أمريكا من أن بعض الناس يقتلون زوجاتهم وأولادهم أحيانا، أو يهجرونهم من هذه الغيرة الحيوانية.
فقبل فؤاد الطفلة وضحك أيضا. ولما تأمل فيها قال: إنها تشبهك كثيرا يا بديعة، ويؤدي أن أتبع خطة الإفرنج وأدعوها باسمك؛ لأنني أحب هذا الاسم كثيرا وأحب أن أسمي به كل مولودة.
فقالت بديعة ضاحكة: إذن تدعو الهرة والكلبة بديعة كما يفعل الإفرنج؟! لا! فؤاد، أنا أحب كل شيء عربي متى كان جيدا، كما أحب كل شيء إفرنجي متى كان جيدا أيضا، ولذلك أفضل طريقة الأسماء العربية على الإفرنجية، لا سيما وأن في هذه شاعرة حب نحو اللغة والوطن.
অজানা পৃষ্ঠা