25

7

يوم أصل إلى مكة، ولأنتصفن لنفسي ولتجارتي من هذا الأسقف، فإذا لم ينصفني الحكم فلأعوقن الأسقف عن الرحيل إلى ديار ربيعة يومين ولو خلته القافلة.

عند ذلك تراءى الحداة والسائقون للمتحدثين ينتصرون لراعي كنيستهم الأكبر بعدما كانوا أول الغاضبين، ويحاولون تطييب خواطر المتذمرين تفاديا من الشر، فانبرى أحدهم يقول: وحق مريم البتول، ومارسرجيوس الشهيد،

8

ما عمد الأسقف إلى ما فعل بملكه، بل لهو أمر جلل أوحي به إليه كما قلت يا أبا دؤاد. فلم يطق اليهودي سماع هذا، وأشار بعصا كانت في يده إلى الرجل ليفسح له الطريق، وسكت ثم عاد إلى الكلام فقال وقد نالت قدمه الأرض: لا عجب أن يكثر الوحي في هذه الأيام! إذا جاز أن ينبغ في الوثنيين من أهل مكة أمي ويدعي الوحي، فلماذا لا يدعي الوحي مثله أسقف نجران!

تضاحك الجمع لدن هذه الملاحظة، وانتهز الجمالة فرصتها السانحة فأخذوا في حل الحمول، وانبرى أحدهم، وهو من جمالة ثقيف،

9

يقول: أما أنا فلا أومن بالوحي، ولكني أومن بالأسباب، ولا بد أن يكون لدى الأسقف سبب جلل حمله على رجائنا أن ننتظره، وإني لأعدكم أيها الرفاق، أن نغذ في السير فنعوض أنفسنا من يومنا الضائع يومين. إن الطريق سهل منبسط، والهواء لا يزال قرا، ولن يضيرنا أن نبكر في الغدو كل يوم ساعة، ونتعوق في الرواح كل عشية مثلها. فأجاب المكي متهكما: أجل، لكي تقتل البعران إعياء، وتحرمنا فترى العيد كلها. ثم نزل عن بعيره، ونزل معه الأكثرون.

ضحك الناس لهذا الأمر مرة أخرى، وانبرى بعض من كانوا يودعون الركب يخففون عنهم بالكلم الطيب. هذا يقول: إنما أراد الله أن نأنس بكم ليلة أخرى، وذاك يستكرم فيقول: إنكم أهل صنعاء ومكة أهل جود وكرم، ونحن هنا نعيش في خيراتكم، فلا بأس عليكم أن تكرمونا بالبقاء هنا ليلة أخرى.

على هذا هدأت سورة الغضب وسرى من الناس فنشطوا إلى خيامهم يحلونها عن الرواحل ويضربونها في المضارب كما كانت، وشرع الخدم والعبيد يعدون طعام الصباح.

অজানা পৃষ্ঠা