أراد الصحفيون أن يوجهوا الأسئلة إلى الزوجة الثانية - وعمرها الآن أربعة وأربعون عاما - فأجابتهم جوابا واحدا: إني سعدت مع حبيبي اثنين وعشرين عاما، ولا أزال سعيدة معه، وسأظل سعيدة معه حتى أموت، ولمن شاء بعد ذلك أن يقول ما شاء.
السبت 28 نوفمبر
حدث هنا في مدينة كولمبيا حادث بسبب التفرقة اللونية؛ فهنا معسكر حربي فيه جنود من البيض ومن السود على السواء، وقد جاء بعض الجنود السود من ولايات أخرى لا يحرم قانونها اختلاط اللونين، فخرج اليوم أحد هؤلاء من معسكره إلى المدينة، فركب سيارة عامة، وجلس في النصف الأمامي المخصص للبيض وحدهم، محتجا بأنه لا يعترف بهذه التفرقة اللونية؛ فهو من ولاية كذا من ولايات الشمال التي لا تفرقة فيها بحكم القانون بين أبيض وأسود؛ لكن السيدة التي جلس إلى جانبها في السيارة طلبت منه أن يغادر مكانه إلى النصف الخلفي المخصص للسود، فرفض الجندي ذلك، فتدخل السائق وطلب منه الطلب نفسه لكنه رفض القبول، فنودي شرطي، وسرعان ما نادى الشرطي زملاءه بواسطة اللاسلكي في سيارته البوليسية ، فجاءت فرقة كبيرة ... في هذه الأثناء انضم إلى الجندي الأسود الثائر عدد كبير من زملائه الجنود السود، وانضم إليهم ضابط زنجي، ظن أنه - بحكم رتبته العالية - يستطيع أن يأمر البوليس بالانصراف فيطيعوا، لكن رجال البوليس قبضوا بالقوة على الثائرين الزنوج وعلى رأسهم الضابط، وحوكم الجميع فورا، فحكم عليهم بغرامات مختلفة، أعلاها الغرامة التي حكم بها على الضابط؛ إذ حكم عليه بغرامة قدرها مائتا دولار.
وأذاعت قيادة المعسكر في رجالها بيانا تقول فيه إنه على الرغم من أنه ليس في داخل المعسكر تفرقة لونية، إلا أن القيادة تنتظر من رجالها أن يحترموا قانون الولاية التي هم على أرضها إذا ما خرجوا عن حدود معسكرهم، فعندئذ ينبغي أن ينطبق عليهم ما ينطبق على أي مواطن آخر.
الأحد 29 نوفمبر
الجو رائع، لا يكون أروع منه جو في الدنيا بأسرها، فاستخسرت أن يضيع هذا الجو الجميل وأنا سجين غرفتي ... وقفت أمام المرأة الكبيرة، وقلت لصورتي فيها: أنت في أمريكا والجو رائع هذه الروعة كلها، فكيف تظل سجين غرفتك؟ فقالت لي صورتي: قبل أن تكيل اللوم، قل لي أين أذهب؟ فقلت: أخبط في الشوارع مشيا كما اتفق! فقالت صورتي: لكن الشوارع خالية، اليوم يوم الأحد؛ البيوت مقفلة على أصحابها، والدكاكين مغلقة على بضائعها ... ومع ذلك فاصبر قليلا، اصبر ساعة ونصف ساعة، وستخرج إلى الغداء، فامش بعد الغداء حتى تشبع قدميك مشيا، وأراهنك أنك ستعود بعد مشي لا يدوم أكثر من دقائق.
وماذا أصنع في هذه الساعة ونصف الساعة التي بقيت إلى موعد الغداء؟ أحضر محاضرات الغد؟ السم الزعاف أهون ... أقرأ؟ لقد قرأت أمس عشر ساعات متوالية، فرحمة بعينيك ... أكتب؟ إي والله هذا خير ما أصنع؛ ماذا تكتب؟ ... أكتب أي شيء، ما أول خاطر يأتيك؟ أول خاطر هو ... هو ... لا خواطر!
لا، فكر قليلا، واكتب في أول خاطر يرد إلى ذهنك على أي نحو يجري به قلمك، وماذا يكون أول خاطر سوى هذا الذي يعاودني ألف مرة، هو جناية الآباء على أبنائهم؛ إذ يخرجونهم إلى هذا العالم بعد أن يحطموهم، فيخرج الابن محطم النفس ليصير بدوره أبا ينسل البنين، فيحطم البنين بدوره ... من الذي يمسك لساني حين أريد الكلام؟ ومن الذي يقيد ذراعي حين أريد الحركة؟ ومن الذي يغل قدمي حين أريد السير؟ من فعل ذلك كله غير الذي رباني فأخرجني إلى العالم مغلول اللسان والذراع والقدم؟ إن نفسي لتقطر مرارة!
كنت أوجه هذا الحديث إلى صورتي في المرآة، فاستمعت إلي وفكرت، ثم قالت: أمسك القلم واكتب ما أمليه:
كان الفتى في سن الثامنة عشرة، وكانت الفتاة في الخامسة عشرة من عمرها، وأمسك الفتى بالفتاة وضربها على رأسها ضربة أفقدتها وعيها، ثم بحبل رفيع خنقها، وأمسك بمقص يقص عنها ثيابها وهو في نشوة ... وهنالك أمسكوه مجرما، وحوكم وقضي عليه بالموت سفاكا خطيرا، فلم يلبث أن تلقى القاضي الذي أصدر هذا الحكم خطابا من فتاة في الخامسة والعشرين، هي طالبة في الدراسات العليا بإحدى الجامعات، تقول فيه: لقد أكل الدهر على القانون وشرب، تقدم العلم ولم يتقدم القانون ليساير الزمن! والقضاة جهلة قساة ... ما أكثر ما يكون المجرم فريسة تنوء تحت عبء ثقيل، هو العبء الذي ألقته على كتفيه الأيام والظروف! ... أنا أخت هذا الفتى الذي أعدمتموه، وسأقص عليك شيئا عن الظروف التي نشأت فيها مع أخي لتدرك إلى أي حد أنتم تظلمون! إن الإنسان لا يفقد صوابه ورشده بين عشية وضحاها، بل لا بد له من مقدمات طويلة تمتد على سنوات طوال؛ فإني لأذكر أخي وهو بعد طفل صغير يعاني من أبويه ما يعاني، كان يضحك فجأة أو يبكي فجأة، ولا يفهم الوالدان لذلك سببا، فيضربانه ضربا مؤلما، أو يغمسانه في حوض ملئ بالماء الساخن ليهدأ، ومضى وقت طويل قبل أن تشاء الظروف أن يفحصه طبيب فيجد أن جزءا من مخه تالف، هو الجزء الذي يستخدمه الإنسان في ضبط نوازعه الحيوانية ... إن طفلا كهذا كان لا بد أن يتعذر عليه الملاءمة بين نفسه وبين أسرته، حتى لو كانت أسرته سعيدة، فما بالك والأسرة التي نشأ فيها جهنم وجحيم؟ وسأسوق نفسي مثلا.
অজানা পৃষ্ঠা