فلم يجب، واتجه نحو الأغنام بعد أن تناول عصاه الملقاة عند قدميه. ووقف قدري، وصاح موجها خطابه إلى البيت الكبير في عبث: أسمحت بأن نرثك، أم ستعاقبنا في موتك كما عاقبتنا في حياتك؟
أجب يا جبلاوي!
وردد الصدى: «أجب يا جبلاوي!»
14
ورأيا عن بعد شخصا يتجه نحوهما لم تتضح معالمه. ومضى القادم يقترب رويدا حتى تبيناه، فانتصبت قامة قدري بحركة تلقائية وشعت عيناه الجميلتان نور ابتهاج. ولحظ همام أخاه باسما، ثم نظر إلى الأغنام في غير مبالاة وهمس بلهجة تنبيه: الظلام غير بعيد.
فهتف قدري باستهانة: فليأت الفجر إذا شاء.
وخطا خطوات نحو الأمام ملوحا بذراعيه في ترحاب للفتاة. وأخذت تدنو من موقفهما، مجهدة من المشي، لطول المسافة من ناحية ولمقاومة الرمال لشبشبها من ناحية أخرى، متطلعة نحوهما ببصر لامع يعكس مع فتنة العينين الخضراوين جرأة. وبدت ملتفة بملاءتها اللف حتى الكتفين، مطلقة الرأس والعنق عاريين فعبث الهواء بضفيرتيها. وارتفع صوت قدري بسرور مسح عن وجهه أمارات الحدة: أهلا بهند.
فأجابت بصوت رقيق: أهلا بك (ثم مخاطبة همام) مساء الخير يا ابن عمي.
فقال همام باسما: مساء الخير يا بنت العم، كيف حالك؟
وتناول قدري يدها وسار بها نحو الصخرة الكبيرة القائمة على بعد أمتار من موقفهما، ودارا حول الصخرة حتى ضلعها المواجه للجبل، فصارا في منعزل عن الخلاء ومن فيه. وجذبها نحوه فأحاطها بذراعيه، ثم قبل ثغرها قبلة طويلة حتى تماست ثناياهما وغابت الفتاة في لحظة استسلام مذهلة. واستطاعت أن تتخلص من ذراعيه، وأن تقف مضطربة الأنفاس فتحكم لف ملاءتها، وتتلقى نظرته المهاجمة بنظرة باسمة. ولكن الابتسامة اختفت كأنما لخاطرة خطرت، وتقوست الشفتان في تبرم، ثم قالت: جئت بعد معركة، أف، هذه الحياة لا تطاق.
অজানা পৃষ্ঠা