وقال عويس بنبرة جديدة: دعونا مما تقول الحكايات، لم يشهد أحد لقاء الجبلاوي وجبل، ولا الجبلاوي ورفاعة، تلك الأخبار تروى عادة ولكن لم يشهدها أحد، غير أنها عادت بالخير على أصحابها، فصار لحي آل جبل كيانه المحترم، كذلك حي آل رفاعة، ومن حق حينا أن يكون مثلهما، لم لا؟ كلنا من صلب ذلك الرجل المعتكف في بيته الكبير، ولكن علينا أن نأخذ الأمر بالحكمة والحذر، فاهتم يا قاسم بحيك، دعك من الأحفاد والمساواة وما هو خير وما هو شر، ومن اليسير أن نضم سوارس إلينا وهو قريبك، ويمكن الاتفاق معه على أن يترك لنا نصيبا في الريع.
وقطب قاسم غاضبا، وقال: يا معلم عويس، أنت في واد ونحن في واد. أنا لا أروم مساومة ولا نصيبا في الريع ولكني عقدت العزم على تحقيق إرادة جدنا كما أبلغتها.
وتأوه زكريا قائلا: يا ساتر يا رب!
لم يزل قاسم مقطبا، ذكر أشجانه وخلواته وأحاديث معلمه يحيى، وكيف جاءه الفرج على يد خادم لم يعرفه من قبل، وكيف تلوح الخطوب في الأفق، وكيف أن زكريا لا يفكر إلا في السلامة وأن عويس لا يفكر إلا في الريع، وكيف أن الحياة لن تطيب إلا بمواجهة الأفق المليء بالخطوب. وتنهد قائلا: عمي، كان يجب أن أبدأ بمشاورتكم ولكني لن أطالبكم بشيء!
فشد صادق على يده قائلا: إني معك.
وكور حسن قبضته قائلا: وأنا معك، في الخير والشر معك.
فقال زكريا في ضجر: لا تغتر بكلام العيال! عندما ترتفع النبابيت تمتلئ الجحور بأمثالكم، وفي سبيل من تعرض نفسك للهلاك؟ ليس في حارتنا إلا حيوان أو حشرة، ولديك من الأسباب ما يضمن لك حياة رغيدة طيبة فاعقل وتمتع بحياتك.
وساءل قاسم نفسه: ماذا يقول الرجل؟ كأنما يستمع لبعض هواتف نفسه عندما تقول له، ابنتك، زوجتك، بيتك، نفسك. لكنك اخترت كما اختير جبل ورفاعة، فليكن جوابك كما كان جوابهما. قال: فكرت يا عمي طويلا ثم اخترت سبيلي.
فضرب عويس كفا بكف وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله!
وقال عويس محذرا: سيقتلك الأقوياء ويهزأ بك الضعفاء!
অজানা পৃষ্ঠা