اللهم هؤلاء الحجيج عطاش وردوا شرعتك، فانقع غلتهم، وسفر لوحتهم الشمس، ولفحتهم السموم، فهرعوا إلى ظلك فأظلهم، وضلال انبهمت عليهم السبل، فأرهم الطريق لاحبة، والصوى واضحة، وأعداء فألف بين قلوبهم، ومختلفون فوحد كلمتهم، ومتناكرون فعرف بعضهم بعضا.
اللهم هذا تجليك، فماذا تغني الكلم، اللهم قد عي اللسان، ووقف القلم.
من مؤتة إلى اليرموك
1
في العام الثالث بعد الستمائة من الميلاد، وذلكم قبل بعثة رسول الله بست سنين، اشتعلت الحرب بين الروم والفرس. وهي حلقة من سلسلة طويلة من الحروب بدئت منذ ظهور الرومان في غرب آسية، واستمرت بين الرومان والأشكانيين، ثم ورثها الساسانيون والبيزنطيون حتى شغلت من التاريخ سبعة قرون بين الاشتعال والخمود. وهذه الحلقة الأخيرة التي سبقت البعثة واستمرت بعد الهجرة سبع سنين، وقد اهتم بها العرب ونزلت فيها آية من القرآن:
غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم . انتصر الفرس في عهد كسرى برويز على الروم زهاء عشرين سنة متوالية، فسلبوهم كل ما ملكوا في آسية، وفتحوا بيت المقدس وأخذوا الصليب الكبير ، ثم غلبوهم على مصر، وظهرت جيوش الفرس على أبواب القسطنطينية مرات، وظن الناس أن الروم لا تقوم لهم قائمة.
ثم أجمع الروم أمرهم، وقادهم هرقل من ظفر إلى ظفر خمس سنين أتت على كل ما ناله الفرس في الحروب المتمادية، وخلع كسرى برويز بعد أن أخرجته الهزائم من دار ملكه، ومات ذليلا حزينا وخلفه ابنه قباذ الثاني، فصالح هرقل على أن يرد على الروم كل ما سلبوه في آسية ومصر، وأن يرد الصليب المقدس، وسار هرقل في أعظم مواكبه إلى بيت المقدس ليضع الصليب موضعه في ديسمبر سنة 629م. وبلغ هرقل من العزة والهيبة والصيت ما بلغ.
2
في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، بعد غزوة خيبر بشهرين، وجه رسول الله ثلاثة آلاف من أصحابه إلى الشام، وجعل القيادة لزيد بن حارثة، فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة. وكان هذا إيذانا ببعد الشقة، وجسامة المطلب، وعظيم الخطر.
لماذا سير الرسول - صلوات الله عليه - جيشا لحرب الروم في أرض بعيدة؟ يقول المؤرخون: إن الغسانيين قتلوا رسوله إلى أمير بصرى، ولكن أحسب الأمر أوسع من هذا، فقد أراد المسلمون أن يرهبوا الطامعين فيهم، ويعرفوا موقف القبائل العربية الضاربة في سلطان الروم: أحرب هم أم سلم؟
অজানা পৃষ্ঠা