ولكن النفس العظيمة التي ملأت العدو والصديق هيبة وإعجابا لا تموت بموت الجسد، فقد أكبر الناس أن يموت البطل الذي غلب الموت في كل معترك، فبقوا أكثر من عشرين عاما يتحدثون أن بطلهم حي، وأنه ظهر في هذا المكان أو ذاك، بل حاول بعض الناس أن يلبسوا عظمته، ويحملوا اسمه، فناءوا بالعبء، فأخذهم المغول بغير عناء.
يا شباب الشرق، قلبوا صفحات مجدكم؛ فإن أعظم المصائب أن تمحى ذكرى الآباء من صدور الأبناء، وإن لكم في جلال الدين لعبرة.
إسكندر يقتل صديقه1
1
إسكندر العظيم يثبت عرشه وسلطانه وهيبته وكبرياءه في مقدونية واليونان، ثم يتوجه تلقاء آسيا.
الفريقان من اليونان والفرس يلتقيان على نهر «كرانيكوس» الصغير عام أربع وثلاثين وثلاثمائة، فيتاح لإسكندر أول فتح في آسيا، ثم تخضع له المدائن حتى سرديس، فقد دانت له آسيا الصغرى كلها.
ثم يتقدم صوب الجنوب، فيجتاز جبال طوروس، ويسير تلقاء الشام، وإذا جيش دارا، الجيش اللهام الذي لا يغلب من قلة، رابض في طريقه، وفي سهل إسوس الضيق بين الجبال والبحر تزدحم مئات الألوف للحرب، ويسقط في البحار مائة ألف من الفرس، ويفر دارا، وينهب معسكره، وتؤسر أمه وزوجته وابنتاه. فانظر إلى الإسكندر قد قهر «الملك الأعظم» ملك الفرس، وطالما فخر اليونان بأنهم احتملوا صدمتهم، وردوهم عن بلادهم أيام دارا.
ويتقدم الفاتح العظيم فيقهر مدن الشام، وتقاومه صور وتتحدى جبروته وسلطانه، ثم تخر أمامه بعد حصار سبعة أشهر، فيقتل منهم ثمانية آلاف، ويؤسر ثلاثون ألفا، فيباعون عبيدا، ويصلب على القلاع ألفان عبرة ونكالا. ذلكم الإسكندر الفاتح القاهر، وذلكم جزاء من يقف في سبيله!
ويفتح الإسكندر مصر عام اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ويرفع نسبه إلى آمون، ثم يجمع جنده ويسير إلى العدو الأكبر؛ الملك الأعظم، فيجتاز الفرات ودجلة إلى حيث يعسكر دارا.
وهنالكم على مقربة من أطلال نينوى العظيمة، التي تندب مجد آشور الغابر، وعلى سبعين ميلا إلى الشمال والغرب من مدينة إربل، قريبا من ملتقى عبد الله بن علي العباسي ومروان بن محمد خاتمة الخلفاء الأمويين، حيث سقطت دولة وقامت دولة، هنالكم تراءى الجمعان، وعسكر الإسكندر تجاه دارا. ويشير «برمينيون» على الفاتح المقدوني أن يهجم على عدوه ليلا، فيأبى مجد الإسكندر وكبرياؤه فيقول: «أنا لا أسرق النصر.»
অজানা পৃষ্ঠা