صورة وبيت
ولقد طالما كان الحديث بيننا يعطف على ذكرى أصدقائها القدماء من كبار الأدباء الذين كانوا يترددون على صالونها الأدبي الذي كانت تعقده يوم الثلاثاء من كل أسبوع فيما بين أوائل الحرب العالمية الأولى وأواخر سنة 1926، وكان يؤمه طائفة من أقطاب الفكر والأدب في الشرق، كالأستاذ أحمد لطفي السيد، والشاعر إسماعيل صبري، والدكتور شبلي شميل، وخليل مطران، وأنطون الجميل، وداود بركات، ومصطفى صادق الرافعي، وولي الدين يكن، وأضرابهم، وذات مساء لحظت على مكتبها صورة رشقتها أمامها، فسألتها قبل أن أتبينها: «لمن تكون هذه الصورة؟» فأمسكتها بيدها وأطلعتني عليها، فإذا هي للشاعر المرحوم ولي الدين يكن أهداها إليها، وقد كتب تحتها بخطه هذا البيت:
كل شيء يا «مي» عندك غال
غير أني وحدي لديك رخيص
وقد حدثتني عنه أنه كان معجبا بها، مشغوفا بحبها، وكثيرا ما كان ينظم شعرا فيها، سجل بعضه في ديوانه المطبوع ولم يسجل الآخر. وقد كانت على الرغم من أنها لم تبادله حبا بحب فإنها كانت تعطف على نفسه الرقيقة وشعوره المرهف، وكانت تفسح له في زيارتها حتى وهو مريض في أواخر حياته بمرض خطير!
فقلت لها: إن هذا البيت يدل على لوعة وأسى، وشعور صادق، وقلب واله، غير أن روي «الصاد» روي نادر ثقيل.
فما كدت أنتهي من هذه العبارة حتى لمعت عيناها الذكيتان، وأمسكت ريشتها في رقة وهي تهز رأسها وتعطف عنقها كعادتها في الحديث، وناولتني إياها في ابتسام ماكر وتحد ظريف، وقالت: «إذا كنت تنتقد روي هذا البيت، فإني أطلب منك أن تشطره الآن قبل أن تقوم من مكانك، ولن أسمح لك بالانصراف المباح، ولو جلست هنا إلى الصباح، حتى تجعل الشطر شطرين، والبيت بيتين»!
فأردت التخلص والاعتذار حتى يذهب الليل ويأتي النهار، ولكنها أصرت، وكان في إصرارها لطف وخفة وجمال، فأثارت وجداني، وحركت شعوري، فما وسعني إلا أن أتناول منها القلم، وبعد دقائق ناولتها هذا التشطير: «كل شيء يا مي عندك غال»
يتمناه في الحياة الحريص
قد غلا في حماك كل أديب «غير أني وحدي لديك رخيص»
অজানা পৃষ্ঠা