وجمعت اليوم اثنتين وخمسين بودة، ولكن هذا لا يساوي معشار ما كان ينتظره أرشينوف مني، وليس في وسعي أن أفعل خيرا مما فعلت، فهؤلاء الناس متعبون مكتئبون في أشد حالات الوجل، ولعل عند بعضهم من الحبوب أكثر مما يعترفون به، ولكنهم لا يريدون أن يوردوه للحكومة ولا يجرءون على توريده، والشتاء الطويل مقبل عليهم وعيالهم يطلبون القوت.»
وحاولت أن أهدئه بقولي: «لا تقلق بالك إلى هذا الحد يا سريزها، بل افعل خير ما تستطيع أن تفعله؛ لأن القلق لا يجدي نفعا.»
وذهبت مع مضيفي إلى المزرعة الجماعية في صباح اليوم الثاني، وسرني أن أرى العمل قائما على قدم وساق، فالعدد تنظف وتزيت، والسماد يخرج من الحظائر والإصطبلات، والاستعدادات تتخذ لدراس الحبوب، واستمر العمل على هذه الحال عدة أيام كاد المكان بعدها يعود إلى حاله الطبيعية، وخير من هذا كله أن روح الفلاحين الجماعيين المعنوية قد تحسنت كثيرا عن ذي قبل، وأخذت النساء والبنات يغنين الأغاني الأوكرانية كما كن يفعلن في أيامهن الماضية؛ ذلك أن أولئك القوم السذج يحبون العمل بطبيعة نشأتهم، وقد كان الجو صحوا وهم يدركون خيرا مما أدرك أنا نفسي ما لكل يوم غير مطير من قيمة.
ومر علينا أكثر من أسبوع، وأبطأت عملية إصلاح العدد لنقص المسامير والأسلاك والحديد والخشب وغيرها من المواد الضرورية، ولكن مهارة الفلاحين عوضت هذا النقص، غير أننا لم يكن في وسعنا أن ننظم حسابات المزرعة لعدم وجود الورق؛ ولهذا عولنا على أن نرسل سريزها إلى دنيبروبتروفسك ليقضي فيها يوما يشتري في خلاله ما نحتاجه.
ولما عدت إلى المنزل في تلك الليلة شاهدت سريزها وفي يده خيط يقيس به فاسيا الصغير، ويعقد فيه عقدا، وتظاهرت بأني لم ألاحظ ما يفعل.
وذهبت في اليوم الثاني قبل أن يعود سريزها لزيارة أرشينوف، وكان يعلم أن العمل الذي نيط بي يسير سيرا حسنا، ويحسدني على هذا التوفيق، ولم يجد وسيلة ينفس بها عن كربه إلا أن يطعن على تفتكوف فأخذ يتهمه بأنه شخص ضعيف أصفر الكبد، وبما هو أسوأ من هذا كله، وهو أنه حر إنساني فاسد.
وقال: «لقد فتشت بالأمس عدة بيوت كان زميلي الضعيف قد اصطنع مع أصحابها اللين، فوجدت في كل بيت غلالا مخبوءة، فصادرت كل حبة وجدتها دون أن أدخل مع أصحابها في جدال عقيم، إن هؤلاء المزارعين القذرين الأوغاد يكذبون على السلطات السوفيتية، وسألقي عليهم درسا لا ينسونه أبدا! فقد ذهبت اليوم إلى لجنة المركز، وهم مقبلون بعد قليل وسترون ما يحدث يوم الثلاثاء.» - «أي شيء سيحدث في ذلك اليوم؟» - «ذلك شأني أنا.»
واستمر الدراس طوال يوم الأحد، ولم تكن بي حاجة إلى إقناع الفلاحين بأن يعملوا في ذلك اليوم، فقد كانوا جميعا حتى أكثرهم تدينا يدركون أن الوقت من ذهب، وعاد سريزها قبيل الغروب ومعه حقيبته وعدة أكياس وهدايا للأسرة كلها: كتاب للبنت، وخيط للأم، ودخان لاستيوبنكو الشيخ، ولكن الذي أدهشنا أكثر من ذلك كله في هذه الفرصة السعيدة أنه أخرج من حقيبته الكبيرة سروالا طويلا وسترة وملابس داخلية لفاسيا.
وسرعان ما ألبس الغلام ملابسه الجميلة، وأعجب به جميع الحاضرين، وأقبل اثنان من الجيران ليشهدا ذلك المنظر العجيب منظر فاسيا في ثيابه الجديدة الجميلة، وتبسم الولد نفسه لأول مرة مذ تقابلنا وقال: «شكرا لك يا عمي سريزها.» واغرورقت عيناه بالدموع حين قدم إليه سريزها العظيم كراسة وأقلاما من الرصاص وصندوقا من الحلوى الجامدة الملونة.
ولم تأو الأسرة إلى فراشها إلا بعد منتصف الليل، ولما انفردت بتفتكوف في حجرتنا سألته كيف تسير الأمور بينه وبين أرشينوف؟
অজানা পৃষ্ঠা