واستدعى الرئيس أحد مساعديه وأسر إليه بعض الأوامر، وسار هذا الرجل بنا نحن الثلاثة إلى داخل القرية، وكان يخيم على شارعها الرئيسي سكون مقبض لا يقطعه إلا نباح كلب ينطلق فيه من حين إلى حين، وكنا نبصر في أماكن متفرقة منه نورا ضئيلا مضطربا في إحدى النوافذ ودخانا يخرج من مدخنة، ولما وصلنا إلى بيت كبير يفضل ما حوله من البيوت وقف دليلنا.
ثم قال: «ستقيم في هذا البيت يا رفيق أرشينوف، وأرجو أن يوافقك.»
ثم واصل سيره في الشارع نفسه إلى بيت فخم ذي مبان منفصلة عنه، وحديقة صغيرة وبئر ذات دلو.
وقال: «سيعجبكم هذا المكان، لقد انضم آل استيوبنكو من وقت قريب إلى المزرعة الجماعية، وبيتهم هذا نظيف خال من صغار الأطفال، وكلهم كبار ولهم ابنة جميلة.» قال هذه العبارة الأخيرة وهو يشير بطرف عينه في اتجاه تفتكوف.
وقابلنا عند الباب رجل طويل القامة يبلغ حوالي الستين من العمر، حليق الوجه إلا من شاربين طويلين يتدليان على طرف فيه على الطريقة الأوكرانية القديمة، وحيانا الرجل في تحفظ وكرامة غير متكلفة سررت لها، ثم سار أمامنا إلى حجرة صغيرة ولكنها أنيقة ومريحة.
وقال لنا: «اغتسلوا أولا ثم تعالوا وانضموا إلينا على الرحب والسعة، واقتسموا معنا ما يبعثه الله لنا وهو غير كثير.»
ووجدنا الأسرة كلها جالسة حول المائدة، وكانت ابنتها في الثامنة عشرة من عمرها، وهي جميلة حقا، وكانت الزوجة امرأة حنونا كبيرة السن تعقد منديلا ملونا أسفل ذقنها، لها يدان مجعدتان خشنتان من العمل شأن زوجات الفلاحين، وكان للأسرة أيضا ولد في الثامنة من عمره، وعرفناهم بأنفسنا وانضممنا إليهم، وصب في أوانينا حساء بلا لحم، ثم أعقبته بطاطس مسلوقة وشبت مخلل، وكان الخبز مقطعا قطعا رقيقة أكلها كل منا بحرص وعناية كما لو كانت رقاقا مقدسا.
ولما كنت قد اعتدت حياة القرويين، وعرفت أن الخبز الكثير الغليظ هو طعامهم الرئيسي، فقد أدركت بوضوح أن الأسرة في ضنك شديد، واستأذنت أنا وسريزها وذهبنا إلى حجرتنا ثم عدنا بما كان لدينا من الطعام الملفف، وحدق فينا آل استيوبنكو حين كشفنا عما معنا من أمعاء محشوة، وأنواع متعددة من السمك، ودجاج بارد، وألححنا عليهم أن يشتركوا معنا في طعامنا، وما لبث جو التحفظ الذي كان مخيما علينا أن انقشع.
وكررت ربة الدار قولها: «شكرا لكم، شكرا لكم، لا شك أنك قد أدخلتم السرور على بيتنا المتواضع.»
وأضاف زوجها إلى ذلك قوله: «لست أذكر آخر مرة رأينا فيها الأمعاء المحشوة والحلوى، ونحن أحسن حالا من كثيرين ممن حولنا، ولكننا مع ذلك في ضنك شديد، وليس لدينا من الحبوب ما يكفينا حتى يحصد المحصول، آه! أيها الرفاق لو تعلمون ما مر بنا من الظروف القاسية في أوكرانيا! إن أحدنا إذا حصل على قطعة من الخبز أكلها خفية.»
অজানা পৃষ্ঠা