وجاءت كاتيا الصغيرة إلى منزلنا بعد أشهر قلائل من عودتي من موسكو، فقد عدت من المعهد ذات مساء وهممت بالدخول إلى الحمام لأغتسل استعدادا للعشاء، ولكن أمي أوقفتني وهمست في أذني قائلة: إن البنت الصغيرة تستحم فيه.
فسألتها: «أية بنت؟» - «صه، سأخبرك فيما بعد، إن أحداثا مروعة تقع في القرى.»
وذهبت إلى حجرتي ولحقت بي أمي بعد قليل، وقصت علي القصة في بضع كلمات، فقالت: إن نتاشا ابنة عمي، وهي من أعضاء الحزب ومديرة لإحدى الكليات التابعة لمصنع من المصانع، كانت تركب القطار عائدة من رحلة قامت بها لقضاء بعض الأعمال المصلحية، فأقبلت عليها في عربة القطار فتاة صغيرة في أسمال بالية، تبلغ من العمر عشر سنين أو إحدى عشرة سنة، وطلبت إليها في صوت متهدج لا يكاد يسمع أن تعطيها كسرة من الخبز تتبلغ بها، ولم يكن هذا الصوت غريبا عليها، ولكن شيئا في عيني الطفلة الحزينتين وملامحها المتغضنة ترك في قلب نتاشا أعمق الأثر، فجاءت بالفتاة البائسة إلى المنزل.
وقالت نتاشا لأمي وهي تعتذر عن مجيئها بها: «ولعل الذي أثر في نفسي هو البرد الشديد، فإني لم أطق رؤية هذه القطعة من الإنسانية حافية القدمين عارية الجسد إلا من قليل من الأسمال البالية تخرج في البرد القارس في مثل تلك الليلة.»
وقررت أمي من فورها أن تبقي الطفلة في منزلنا، وقالت وهي تبتسم: «إن فردا آخر يضاف إلى أفراد الأسرة الكثيرين لا يكلفنا شيئا.» وأخذتها بين ذراعي وعانقتها.
وخاطبت أمي قائلا: «إنك أم بحق، ويسرني أنك قررت هذا القرار.»
وذهبنا إلى حجرة الطعام فرأيت كاتيا الصغيرة جالسة على الأرض بجوار أنابيب التدفئة، وكانت صفراء اللون مرتاعة، منكمشة الجسم كأنها تريد أن يصغر جسمها حتى لا تراها العين، وكادت بعض تلافيف ثياب أمي أن تحجبها عن ناظري، وكان شعرها الأسود المبتل مجدولا ومفروقا في وسط رأسها، ووجهها الصغير بيضاويا، ذهب لونه من فرط التعب وتغضن قبل الأوان، ولكن معارفها كانت وسيمة وفي وسعك أن تقول: إنها كانت جميلة، وجلست الفتاة في مكانها ساكنة لا تبدي حراكا، ولا يميزها من الموتى إلا حركات عينيها اللتين كانتا تتقلبان في جميع أركان الحجرة.
وقالت لها أمي: «لم تجلسين على الأرض يا كاتيا؟ قومي واجلسي على الكرسي، هذا هو ابني فكتور أندريفتش، تعالي سلمي عليه.»
وصدعت الطفلة بما أمرت.
وجلست على الأرض أمامها وناديتها: «مرحبا بك يا كاتيا، لم لا تتكلمين؟ لا تخافي شيئا، فنحن جميعا نحبك، هل مسك أحد بأذى؟»
অজানা পৃষ্ঠা