بالأمس أعلن فكتور أ. كرافتشنكو أحد موظفي بعثة المشتريات الروسية في واشنجتن استقالته من عمله، ووضع نفسه «تحت حماية الرأي العام الأمريكي»، بعد أن اتهم الحكومة السوفيتية في هذه الاستقالة بأنها فيما تعلنه من رغبة في التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى إنما تجري على سياسة نفاق «ذات وجهين»، واتهم حكم ستالين بالعجز عن توفير الحريات السياسية والمدنية للشعب الروسي.
ويحمل مستر كرافتشنكو جواز سفر كتب فيه أنه «ممثل الحكومة السوفيتية» ... وهو ضابط في الجيش الأحمر، وكان قبل أن يرسل إلى الولايات المتحدة في شهر أغسطس الماضي مديرا لعدد من دور الصناعة الكبيرة في موسكو، ومن قبل هذا كان رئيسا لقسم الذخائر الملحق بمجلس وزراء الجمهورية الروسية الاشتراكية السوفيتية المتحدة، وهي أكبر الجمهوريات المنضمة إلى اتحاد الجمهوريات السوفيتية، وكان إلى وقت فراره عضوا في الحزب الشيوعي الروسي منذ عام 1929م، وشغل عدة مناصب هامة تحت الحكم السوفيتي.
ورفض مستر كرافتشنكو لأسباب وطنية أن يرد على الأسئلة الخاصة بمسلك الحكومة السوفيتية في الشئون العسكرية، أو أن يكشف عن شيء من التفاصيل المتعلقة بالأمور الاقتصادية، وبخاصة ما يتصل منها بتطبيق قانون الإعارة والتأجير على يد بعثة المشتريات السوفيتية، أو في بلاد الروسيا نفسها.
وتلت هذا النبأ فقرات من البيان الطويل الذي ظللت أكدح في إعداده طوال يوم الأحد. لقد حوى هذا البيان عصارة نفسي، ولكن شيئا من قوته لم يظهر من خلال المداد البارد الذي كتبه به الطابع؛ ذلك أن أبناء البلاد الحرة قلما يجدون في تجاربهم ما يحملهم على تصديق مشاعري ومسلكي، وهم لا يرون في أية مأساة مهما بلغت من الشناعة إلا أنها أمر شاذ خارج على المألوف.
وحاولت في هذا البيان أن أشرح للشعب الأمريكي، ولرفاقي في بلدي ولأصدقائي في بعثة واشنجتن، الأسباب التي دفعتني إلى أن أخطو هذه الخطوة الرهيبة، ولكني كنت كلما أمعنت في الكتابة، ومحوت ما كتبت، ثم أعدت كتابته من جديد، بدا لي العمل ميئوسا منه؛ ذلك أني لم أجد في لغة من اللغات التي يتكلمها البشر ألفاظا ألخص بها حياتي كلها.
ولم يكن عزمي على قطع صلاتي بالحكم السوفيتي - وهو يبلغ مبلغ إعلان الحرب إلى هذا الحكم وإلى كل دولة بوليسية - أمرا عارضا نشأ عفو الساعة، بل كانت أصوله متغلغلة في كل أطوار حياتي وأفكاري وتجاربي؛ وهو بهذا المعنى لم يكن قرارا اتخذته، ولا عملا من أعمال الإرادة، بقدر ما كان نتيجة منطقية وغاية محتومة، أدت إليها عملية طويلة متصلة الحلقات.
وإذا أردت أن أشرحها شرحا وافيا وجب علي أن أعود إلى الأيام الماضية، أيام الحماسة والغيرة على العدالة التي كانت تتأجج بين جوانحي منذ طفولتي على ضفاف الدنيبر، وإلى أيام الهيام بالحرية الذي كان يملأ قلبي وأنا غلام، حين كانت الثورة والحروب الأهلية تتأجج نيرانها في مدن أوكرانيا وسهوبها، وإلى حماسة الشباب الشيوعي، ثم إلى حياة العضو العامل في الحزب الشيوعي، وإلى الشكوك والإخفاق المتكرر، والمحاولات اليائسة التي توالت عاما بعد عام، والتي كانت تسند عقيدة منهارة مزعزعة بما تبثه في نفوس معتنقيها من أوهام خداعة قوية.
وقصارى القول أني إذا أردت أن أشرح هذا كله وجب علي أن أقص قصة حياتي من أولها إلى آخرها، وحياة الروسيا من حيث صلتها بحياتي نفسها.
الفصل الثاني
طفولة روسية
অজানা পৃষ্ঠা