وهكذا أحضرت الجياد العظيمة في صباح اليوم التالي، وهي تنفث اللهب من خياشيمها، وتعض على اللجم في وحشية، فشدت إلى العربة. وعندئذ ودع أبولو ابنه متحسرا حزينا، وساعده في الجلوس داخل العربة. وما إن أمسك الغلام بالأعنة، حتى انطلقت الجياد تقفز خلال السماء. وعلى الفور تقريبا أحست تلك الخيول بيد ضعيفة غير مألوفة لها تمسك بالأعنة. وبعد فترة قصيرة جمحت، ولم يستطع فايثون أن يسيطر عليها، وصار منظر الشمس غريبا في ذلك اليوم ؛ إذ ترتفع العربة أحيانا إلى علو بالغ وسط السماء، فيشتد البرد على سكان المعمورة أسفلها. وعند مرور العربة فوق أفريقيا انخفضت إلى درجة كبيرة، فاحترق كل شخص بتلك القارة.
وأخيرا بدا كما لو أن الأرض كلها ستتجعد وتتحطم بواسطة الحرارة الشديدة، فتوسل البشر جميعا إلى جوبيتر أن يساعدهم. فوضع يده مترددا على صاعقة، وقذف بها في تردد أيضا، فاحترق فايثون، وسقطت كتلة من اللهب، كأنه نجم يهوي على الأرض مباشرة. وإذ صارت جياد الشمس بغير قائد، عادت تلهث إلى حظائرها. فحزن أبولو على ابنه حزنا ما بعده حزن، ورفض الظهور محتجبا عدة أيام، تاركا السماء تكسوها السحب السوداء، كما حزنت شقيقات فايثون عليه حزنا شديدا، فتحولن إلى أشجار حور.
هذا ما كان من أمر فايثون، أما كيف لقي أيسكولابيوس حتفه، فشيء آخر يختلف عن هذا. كان أيسكولابيوس ابن أبولو والأميرة التسالية كورونيس، التي ماتت أثناء ولادته. فعهد أبولو إلى خيرون، وهو واحد من جنس غريب الشكل من الآلهة يطلق عليهم اسم قنطور، صوروا على هيئة مخلوقات كل منها نصفه لحصان ونصفه الآخر لرجل، ويقال إنهم كانوا نسل رجل من البشر اسمه إكسيون وإحدى السحب، عهد إليه بتعليم أيسكولابيوس. وقد حدث في إحدى المناسبات أن أقامت قبيلة اللابيثيين وليمة عرس فخمة دعي إليها القنطور، فأحدث هؤلاء شغبا وعاثوا في الحفل فسادا، فهاجمهم المدعوون الآخرون وطردوهم من وطنهم تساليا. وقد شغف قدامى المصورين بتصوير هذه المعركة.
كان خيرون هذا أكثر القنطور حكمة وعقلا ونبلا، تلقى علومه على يد أبولو وديانا، فبرع في الصيد والطب والموسيقى وفن التنبؤ. وكان معلم كثير من عظماء الأبطال الأغارقة، وحتى في عصور لاحقة، صار ليوناردو دافنشي الذي كان حتى ذلك الوقت من أعظم العباقرة في العالم كله، صار يهذي في بعض الأوقات، ويقول إنه رأى خيرون وتحدث إليه.
لم يبذل خيرون جهدا لأحد ما أكثر مما بذل لأيسكولابيوس؛ إذ صار ذلك الطفل يزيد عقلا وحكمة يوما بعد يوم. وعندما كبر وبلغ مبالغ الرجال أصبح طبيبا عظيما. ولم يقتصر طبه على شفاء المرضى فحسب، بل رد الحياة إلى رجل ميت ذات مرة. بعد ذلك خشي جوف أن يطرد نمو فن العلاج واتساع أفقه لدى أيسكولابيوس، فيساعد البشر على الإفلات تماما من الموت. وعلى ذلك قذفه بصاعقة أردته قتيلا محترقا. غير أنه وضعه بعد ذلك بين النجوم في السماء. وكان لأيسكولابيوس ولدان صارا طبيبين أيضا، ولكنهما لم يبلغا عظمة أبيهما، الذي صار إله الطب، ويصور عادة يحمل عصا التف حولها ثعبان.
راعي الملك أدميتوس
ملأ موت فايثون أبولو حنقا ضد جوبيتر، وزاد في ذلك الحنق موت أيسكولابيوس. فلم يقنع أبولو في هذه المرة، بمجرد أفكار الغضب وألفاظه، وإنما أراد بطريقة إلهية أن يصب جام غضبه على صانعي صواعق جوف الأبرياء، وهم الكوكلوبس ذوو العين الواحدة، الذين يعملون في مصنع حدادة فولكان تحت بركان جبل إتنا. فما كان منه إلا أن أطلق عليهم سهامه القوية فأبادهم، فثارت ثائرة جوبيتر من أجل هذا العمل غير المتصف بالعدل، وصمم على أن ينفي أبولو في ديجور ظلام العالم السفلي، غير أن والدة أبولو تدخلت في الأمر. وأخيرا اكتفى جوبيتر بأن يعاقبه على شروره، فحكم عليه بأن يخدم رجلا من البشر مدة عام كامل.
اختير أدميتوس ملك فيراي في تساليا لشرف أن يكون سيد إله الشمس أبولو. فكلف أدميتوس أبولو بأن يرعى قطعان أغنامه. فدأب أن يجول بالأغنام مدة الاثني عشر شهرا، متنقلا على طول شاطئ النهر، وعبر مراعي ذلك الملك. وتقول الأسطورة: إنه لكي يسلي أبولو نفسه تعلم العزف على القيثارة، فسحر بها ألباب جميع من سمعوه بموسيقاها العذبة.
وهكذا كان الملك أدميتوس رقيقا في معاملة أبولو، فتولد عند أبولو شغف عظيم بسيده البشري أدميتوس، وعقد العزم على أن يساعده في كل أمر، وبكل الطرق الممكنة. فبينما كان أبولو يرعى قطعان أغنام أدميتوس، زاد نتاج هذه الأغنام وتكاثرت بصورة غير عادية، وبلغت أعدادها فوق كل ما كان متوقعا. كما ساعد أبولو أدميتوس في ناحية أخرى، أراد أدميتوس أن تكون عروسه عذراء فاتنة تدعى ألكستيس ابنة بيلياس أحد أبناء نبتيون. غير أن بيلياس أعلن أنه لن يزوج ابنه لأي رجل إلا إذا جاء يطلب يدها في عربة تجرها السباع والخنازير البرية، فيئس أدميتوس؛ لاستحالة تنفيذ هذا المطلب. فلما علم أبولو بشروط بيلياس، خف إلى مساعدة أدميتوس، وجعله يشد إلى عربته الأسود والخنازير البرية، وساقها إلى قصر بيلياس. وعندئذ اضطر هذا الأخير إلى تنفيذ وعده، فصارت ألكستيس زوجة أدميتوس السعيدة.
أدميتوس وألكستيس
অজানা পৃষ্ঠা