ولذلك يقول أفلاطن فى كتابه إلى «طيماوس» إن النفس من العناصر، وإنما يعرف الشىء غيره بما فيه مما يشبه المعروف عنده، وإن الأشياء إنما تكون عن أوائلها، وكذلك فصل قوله فى الحيوان فى كتابه الذى وضع فى كلام الفلسفة فقال إن الحيوان الذى من صورة الطول الأول والعرض الأول والعمق الأول وسائر الأشياء على مثل هذا النحو. وقد قال أيضا بجهة أخرى إن العقل فرد، وإن العلم اثنان متوحدان، وإن عدد السطح رأى، عدد الكيف حس. فالأعداد يقال إنها أوائل الأشياء وصورها هى من العناصر؛ والأشياء نقبض عليها إما بعقل، وإما بعلم، وإما بالرأى، وإما بحس، فصور الأشياء هذه الأعداد. — ولما كانت النفس محركة ذات معرفة جمع أقوام لهذين الأمرين وأثبتوا [فيهما فى] أنها عدد محرك نفسه. — وقد اختلف أقوام فى الأوائل: فى عددها، وخاصة الذين قالوا بالجسوم فانهم خالفوا على من قال من بين الحس، وخالف على هذين جميعا الذين خلطوا الأمرين فجعلوا الأوائل منها. — فمنهم من قال إن الأولية واحدة، ومنهم من قال إنهن كثيرات، وألحقوا بهن القول فى النفس فظنوا على غير صحة أن المحرك للأشياء هو الطبائع الأوائل. — وكذلك ظن أقوام أن النفس نار، من أجل أنها دقيقة الأجزاء وحرية أن تكون من بين العناصر لا جسم لها، وأنها تحرك غيرها بالذات لا بالعرض. — فأما ذيمقراط فقد أثبت فى هذا إثباتا غامضا وقال: لو كانت النفس والعقل شيئا واحدا؛ وهذا قوله: زعم أنها من الجسوم الأول التى لا قسمة لها، وأنها محركة من أجل صغر أجزائها، وأن الشكل المستدير الكرى هو 〈من〉 بين الأشكال جميعا أيسر حركة من غيره، وكذلك العقل والنار فى اسطقسهما واحد. فأما أنكساغورس فيشبه أن يكون قوله فى النفس غير قوله فى العقل، وأن كل واحد منهما كالذى أخبرنا عنه أولا، إلا أنه يستعملها جميعا كطباع واحد، ويقدم العقل على كل شىء؛ وزعم أنه من بين الأشياء مبسوط لا خلط فيه. ثم ينعته بالحركة والمعرفة، ويرفعهما جميعا اليه ويقول إن العقل محرك الكل. — وثاليس الحكيم يشبه أن يكون ظنه بالنفس، على ما نجد من ذكره، بأنها محركة فاعلة، لاسيما إذ كان يثبت نفسا لحجر المغنطيس لمكان جذبها الحديد. — وذيوجانس كان يرى أن النفس جو، كغيره ممن رأى ذلك فيها لرقة أجزاء الجو 〈و〉لطافتها. وقال إن النفس صارت علامة محركة من جنس إحداهما أولية، فبجهة أوليتها تعرف ما خلفها من الأشياء، والجهة الأخرى أنها لطيفة الأجزاء: فبلطافة أجزائها صارت محركة. — وايراقليطس زعم أيضا أن أولية نفس محركة. وكيف لا يقول هذا القول وهو القائل إن البخار ليس بجسم، وعنه تكون سائر الأشياء، وهو أبدا حار سائل؛ والمتحرك إنما يعرفه متحرك مثله، وهكذا كان يرى مع كثير من الناس أن الأشياء فى حركة. — وألقماون الحكيم مقارب لايراقليطس فيما يراه فى النفس. ويزعم أنها ليست بميتة من أجل أنها شبيهة باللائى لا تموت وإنما يثبت ذلك لها لدوام حركتها وكذلك جميع العالية : الشمس والقمر وسائر النجوم وجميع الفلك — حركها حركة مستديرة متصلة دائمة. — وقال أقوام فى النفس قولا جافيا بمنزلة الوقر الثقيل، وهذا قولهم: زعموا أن النفس ماء، وممن قال بهذا القول رجل يقال له هيفن والذى أداهم إلى أن قالوا هذا القول ما رأوا من النطفة وحالها فى أنها أرطب جميع الأشياء؛ وبهذا كان يرد هيفن على من قال إن النفس دم، وكان يرى أن النطفة هى النفس الأول. — وقال آخرون إنها دم كما قال اقرطياس: والذى دعاهم أن قالوا هذا القول ظنهم بأن الحس أخص الأشياء بالنفس، وأنه لطباع الدم دون غيره. — وقد نصت الحكماء على جميع العناصر، ما خلا الأرض فانه لم يقل أحد منهم فيها قولا قاطعا، بل زعموا أن الأرض من جميعها.
পৃষ্ঠা ১২