[book 1]
[chapter 1: I 1]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
هذا كتاب أرسطاطاليس وفص كلامه فى النفس ترجمة اسحق بن حنين
المقالة الأولى
〈دراسة النفس وأهميتها وصعوبتها〉
قال: إن المعرفة بالأشياء ذوات السناء والشرف؛ وقد يفضل بعضها بعضا إما لاستقصاء النظر ولطافة المذهب، وإما لجليل فضل بعضها وأعجوبتها. فالواجب علينا تقديم خبر النفس من أجل هاتين الصورتين. وذلك أن المعرفة بها قد توافق كل حق، لاسيما العلم بالفرع، وذلك أنها كأولية للحيوان. — وطلبنا أن نفهم ونعلم طباعها وجوهرها أولا، وبعد ذلك أن نعلم ما الأشياء العارضة لها، وأيها أعراض خاصتها، وأيها مشاعة بينها وبين الحيوان.
পৃষ্ঠা ৩
وعلى كل حال، إن إثبات الممتنع فيها لمن أشبه الأمور اعتياصا، لأن هذه المطالبة، (أعنى المعرفة بالجوهر وما هو)، يعم أشياء كثيرة، وعسى أن يقول القائل إن التوصل إلى معرفة جميع ما نريد من علم الجواهر إنما يكون بمسلك واحد (كمسلك البرهان الشارح لنا حال أعراض الذات)، من أجل ذلك نطلب هذا النظر. فانه إن لم يكن طريقا واحدا فى معرفة آنية الشىء، فذلك أحرى أن يكون أعسر فى المخض والنظر، لأنا عند ذلك نحتاج أن نأخذ إلى كل مسلك مأخذا على حياله. وإن كان هذا المسلك واضحا نظرنا: أبرهان هو، أو قسمة، أو مسلك آخر غير هذين. وبعد فان فيه غموضا كثيرا وغلطا فى نفس الطلب كتعلم من أى من الأشياء ينبغى أن يكون: لأن أوائل الأشياء مختلفة، كمثل أوائل الأعداد وأوائل السطوح.
পৃষ্ঠা ৪
أولى ما يلزمنا من قسمة النفس أن نعلم فى أى الأجناس هى، وما جنسها: أجوهر أو كيفية أم كمية أم ضرب آخر من ضروب لنعوته التى قد جزئت. — وأيضا من أى الأشياء هى: التى تعرف بالقوة، أومن الموجودات بالفعل؟ فان الفصل بين هذين ليس بصغير. — ولننظر أيضا: هل النفس ذات أقسام، أم لا أقسام لها؟ 〈وهل النفوس كلها من نوع واحد أو ليست من نوع واحد〉؟ وهل فصل 〈ما بينها〉 بالصورة هو أم بالجنس؟: فان الذين تكلموا فى النفس وفحصوا عنها فى برهنتنا هذه لم يفحصوا إلا عن النفس الناطقة وحدها. — ونحن نمتنع من ذلك لئلا يذهب علينا إن كان المعنى فيها وفى غيرها بمعنى واحد جنسا كالمعنى فى الحيوان، أو إنما المعنى فيها معنى خاص مفرد كمعنى الانسان غير معنى الفرس، ومعنى الفرس غير معنى الكلب، 〈وغير معنى الإله؛ وفى هذه الحال الحيوان عامة إما أن يكون ليس بشىء، أو يكون متأخرا لاحقا. والمسألة عينها توضع أيضا بالنسبة إلى كل محمول مشترك نضعه〉. — وأيضا إن تكن الأنفس كثيرة، أو إنما هى أجزاء نفس واحدة؟ فأى الأمرين ينبغى أن نقدم فى طلب الفحص عن النفس كلية أو عن أجزائها؟ وقد يصعب أيضا تفصيل بعضها من بعض إلى أن نعلم أى الأمرين ينبغى أن نقدم: الفحص عن الأجزاء أو عن أفعالها: كقول القائل ينبغى أن يقدم العقل أو إدراكنا به، ويقدم الجزء الحاس أو يقدم تفاعلنا به، فكذلك يلزمنا القول فيما بعد ذلك. — وإن كانت أعمال أجزاء أولى أن تقدم فى الفحص على غيرها، فجائز لسائل أن يسأل: أيها على اختلافها يقدم: المحسوس أم الحاس؟ والمعقول أم العاقل؟ العلم ببدء الشىء ومائيته معين على معرفة علل الأعراض العارضة فى جوهر (كالتى نرى فى الأشياءالتعليمية: فان العلم بما المستقيم من الخطوط والأعوج وما الخط والسطح معين على معرفة لكم قائمة تساوى زوايا المثلث)، والعلم بحد الشىء وبما هو ليس يعين على هذا فقط، بل يعين على المعرفة بنفس الأعراض، ومعرفة الأعراض جزء عظيم فى علم تحديد الشىء، لأنا إذا وجدنا السبيل إلى الاجابة فى الأعراض: إما عن كلها وإما عن أكثرها، على ما فى التوهم، فعند ذلك ما نجد السبيل إلا أن نقول قولا جيدا فى الجوهر. وما نحن قائلون فى ذلك أن ابتداء كل برهان إنما هو تحديد الشىء والمعرفة بماهيته؛ من أجل ذلك أى حدود لم تقدمها المعرفة بالأعراض، فليس يسهل أن نقيس عليها وإن كانت جميعا بالاتفاق والهذر.
পৃষ্ঠা ৫
وقد تجد المسألة عن التغيير العارض للنفس لتعلم إن كانت جميع التغايير والآفات المغيرة لها شائعة بينها وبين ما هو لها، أم منها ما هو خاص للنفس؟ فنحن مضطرون إلى علم هذا، وإن لم يكن بسهل. وأكثر هذا التغيير لايظهر من النفس 〈أنها〉 فعلت أم ألمت بدون الجسد: مثل ما نرى من الغضب والشهوة، وبالجملة لا يكون الادراك بالحس بدون الجسم. كذلك الادراك بالعقل فانه يشبه أن يكون خاصا بالنفس، إن كان عرض بضرب من ضروب التوهم أم لم يكن بغير توهم، فليس يمكن أن يكون دون الجسد. — فان كان فعل من أفعال النفس خاص هو أو من التغير العارض لها، فيعنى الامكان أن تكون مباينة للجسم؛ وإن لم يكن شىء خاص لها، فليس بمباينة، بل هى بمنزلة الشىء المستقيم الذى تعرض له أشياء كثيرة منها أن يماس كرة الصفر على نقطة: وما كان على حد مباينة فليس بماس، والاستقامة نفسها فليست بمباينة الجرم لأنها أبدا معه. وكذلك يشبه ألا يكون جميع تغيير النفس إلا مع الجرم: كمثل الغضب والهمود والفزع والرحمة والشجاعة والفرح والبغضة والمودة؛ فان البدن قد يتغير بعض التغيير إذا عرضت له هذه الآفات. والدليل على ذلك أنه ربما عرضت لنا أعراض ظاهرة وقوية لم نجزع من أجلها ولم نغضب، ثم يصيبنا ذلك على صغير الأعراض وخفيها إذا كان الجسد هائجا كالذى يكون فى موضع الغضب الصحيح. وهذا أكثر ما يتأتى عند تخوفنا بغير عارض مخيف. إذا كان هذا هكذا، فقد ثبت أن التغيير العارض للنفس إنما هو تضليل فى الهيولى. — ومن أجل ذلك وجب أن تكون الحدود ملائمة لتلك العوارض فى معانيها وعللها: كقول القائل إن الغضب حركة من حركات الكل أو كذا ولجزء من الأجزاء أو لقوة من القوى كانت عن كذا من أجل كذا. — ولذلك لا يليق النظر فى النفس الكلية أو الجزئية إلا بمن كان بحاثا عن الطبيعة 〈سواء كان النظر متعلقا بالنفس كلها أو بالنفس كما نصفها〉. والذى يصوب عليه تحديد الطبيعى غير ما يحده صاحب الجدل والبلاغة، لأن أحدهما يزعم أن الغضب شهوة الانتصار أو ما أشبه ذلك، والآخر يحد الغضب بأنه غليان الحرارة أو غليان دم القلب المحيط به. فأحد هذين إنما قال بالهيولى، والآخر قال بالصورة والمعنى: فأحدهما يقول قوله من معنى، والآخر يقول من نفس الشىء: وما كان كذلك 〈كان〉 بالاضطرار أنه فى هيولى لها حال من الأحوال. وكذلك يحد أحدهما المنزل فيقول: إنه سترة مانعة من أضرار الرياح والأمطار والحر والبرد. والآخر يحد المنزل فيقول بأنه تأليف من صخور ولبن وخشب؛ وهنالك حد آخر يقال بالصورة وما من أجله كانت الصورة. فمن 〈من〉 هؤلاء العالم بالأشياء الطبيعية؟ القائل بالهيولى، وهو جاهل بمعنى الكيفية وحده، أو القائل بمعنى الكيفية وحده؟ والجامع للأمرين جدير أن يكون أعلم بالأشياء الطبيعية. وأما المتقدمون فليس منهم أحد يدخل فى حده الأعراض المغيرة للهيولى لا الزائلة منها ولا اللازمة الثابتة، ما خلا حد الطبيعى فانه يأتى على جميع ما هو للجرم بما فيه من الكيفية وبما للهيولى من الأفعال والأعراض. وما لم يكن بهذه الحال من الجلوة فهو حد مثل صاحب الصناعة: طبيبا كان أو نجارا، فانه لا يضع حده أحدا من الأجزاء. والرجل العلومى يحد الشىء بتوهم رفع أعراضه عنه التى هى لجرمه، والفيلسوف الأكبر يحد الشىء بمباينة الهيولى وتعريته إياه منها.
ولكن لنرجع إلى مخرج كلامنا أولا: فقد قلنا إن التغيير العارض للنفس والآفات التى تغيرها ليست بمفارقة طينة الحيوان الطبيعية؛ والتغيير هو بالغضب والفزع وما أشبه ذلك وليس حال هذا التغيير من النفس بحال الخط والسطح من الجرم.
[chapter 2: I 2] 〈مذاهب الناس فى النفس〉
فاذا نظرنا وفكرنا فى أمر النفس فواجب أن نحصر آراء القدماء وما رأوا فيها مع الفحص عما تجب المسألة فيه والاستعانة بمن قال فيها قولا قاطعا، فنكون قد أخذنا جيد ما قيل حقا فيها، واستدفعنا ما قيل على خلاف ذلك.
পৃষ্ঠা ৭
وأول الطلب إثبات ما لا يشك فيه أنه لازم لطباع النفس. فالفرق بين ذى النفس وما لا نفس له فرقان: أحدهما بالحركة، والآخر بالحس. وهذان الشيئان أكثر ما أخذنا عن أسلافنا فى النفس.
পৃষ্ঠা ৮
وقد قال بعضهم إنه أحرى بالنفس أن تكون أول محرك. فلما ظنوا أن ما ليس بمتحرك لا يمكنه أن يحرك غيره، فانهم 〈قالوا〉 إن النفس بعض الأشياء المتحركة. ومن هاهنا قال ذومقراط إن النفس نار وشىء حار، وإن المفردات من الأشياء ذوى الأشكال لانهاية لكثرتها، وليس بين جميعها شىء مستدير كرى ما خلا النار والنفس مثله الهباء المنبث فى الجو الذى يستبين لنا بشعاع الشمس الداخل من الكوى — زعم ذومقراط أنه عنصر لجميع الطبائع (وبهذا القول كان يقول لوقيفوس). فما كان من هذا الهباء مستديرا فى شكله فذلك بزعمه نفس، من أنه [وما كان مثله] مداخلة الأجسام والنفوذ فى الأشياء وتحريكها؛ فظنوا أن هذا الهباء هو النفس معطية الحيوان الحركة، ولذلك وضعوا التنفس حد الحياة. لأن الجو المحدق بالجسوم يجمع الهباء فيدفع منه ما يمكنه الكسور أبدا فى اسطقسه المستدير فيعطى الحيوان الحركة، فالوارد منه معين على التنفس لما تقدم ومانع من أن ينقضى أو يخرج من الحيوان مع حبس جميعها، الجو حابس الجسوم ومجمدها. فالحياة قائمة ما أمكن الهباء أن يفعل هذا الفعل. — ويشبه أن يكون أشياع فيثاغورس أرادت هذا المعنى له: قال بعضهم إن النفس هو الهباء الظاهر فى الجو؛ وقال آخرون منهم إن محرك الهباء ضوء النفس. وقد أخبرنا لأية علة قالوا هذا القول فى الهباء. والعلة لهذه أن الهباء فى ظاهر أمره أبدا يتحرك، ولو كان همود من الريح أولا. — وربما بهذا القول يقول من زعم أن النفس محركة لنفسها لأن كلهم قالوا بأن الحركة أخص بالنفس وأن الأشياء إنما تتحرك من أجزاء النفس وهى حركة نفسها؛ وهذه حجتهم: زعموا أنهم لم يروا شيئا فاعلا إلا أن يكون أيضا هو متحركا. — وكذلك قال انكساغورس: زعم أن النفس هى الحركة، وغيره ممن قال إن العقل هو محرك الكل. إلا أنهم لم يحتموا حتم ذيمقراط فى قوله: النفس والعقل فى الحقيقة شىء واحد، وأن الظاهر من الأشياء هو الحق؛ ولذلك أحسن أوميرش فى شعره إذ قال: «إن اقطر متغير بالعقل» وقال ذيمقراط ليس يستعمل العقل كقوة من القوى فى إدراك الحق، ولكنه يقول إن النفس والعقل شىء واحد. أما أنكساغورس فقلما شرحه فى كلامه عن النفس والعقل، وذلك أنه فى مواضع كثيرة يزعم أن العقل علة إدراك حقائق الأشياء وصحتها، 〈و〉فى موضع آخر يزعم أن النفس والعقل شىء واحد وأن العقل موجود فى جميع الحيوان فى الأكابر منها والأصاغر والشريف والوضيع. وليس بينا أن العقل، 〈وهو〉 إدراك مميز الأشياء ومفصلها، موجودا بحال واحدة فى جميع الحيوان أو الناس.
والذين نظروا فى الحركة التى تكون من حيث الأنفس قالوا إن المحرك هو النفس، والذين نظروا فى معرفة ذوات الأنفس وإدراكها للأشياء بحسها قالوا إن الأوائل هى النفس: ومنهم من جعل هذه الأوائل كثرة، ومنهم من قال إن الأولية واحدة كمثل انبادقلس فانه يزعم أن الأولية واحدة من جميع العناصر، وأن كل عنصر نفس على حياله. وهذا قوله:
«تعرف الأرض بالأرض والماء بالماء
«والهواء بالهواء ، والنار بالنار.
পৃষ্ঠা ৯
«والمودة — هى الاتفاق — بمثلها، والغلبة — هو الفساد — بفساد ومهلك مثله».
পৃষ্ঠা ১০
ولذلك يقول أفلاطن فى كتابه إلى «طيماوس» إن النفس من العناصر، وإنما يعرف الشىء غيره بما فيه مما يشبه المعروف عنده، وإن الأشياء إنما تكون عن أوائلها، وكذلك فصل قوله فى الحيوان فى كتابه الذى وضع فى كلام الفلسفة فقال إن الحيوان الذى من صورة الطول الأول والعرض الأول والعمق الأول وسائر الأشياء على مثل هذا النحو. وقد قال أيضا بجهة أخرى إن العقل فرد، وإن العلم اثنان متوحدان، وإن عدد السطح رأى، عدد الكيف حس. فالأعداد يقال إنها أوائل الأشياء وصورها هى من العناصر؛ والأشياء نقبض عليها إما بعقل، وإما بعلم، وإما بالرأى، وإما بحس، فصور الأشياء هذه الأعداد. — ولما كانت النفس محركة ذات معرفة جمع أقوام لهذين الأمرين وأثبتوا [فيهما فى] أنها عدد محرك نفسه. — وقد اختلف أقوام فى الأوائل: فى عددها، وخاصة الذين قالوا بالجسوم فانهم خالفوا على من قال من بين الحس، وخالف على هذين جميعا الذين خلطوا الأمرين فجعلوا الأوائل منها. — فمنهم من قال إن الأولية واحدة، ومنهم من قال إنهن كثيرات، وألحقوا بهن القول فى النفس فظنوا على غير صحة أن المحرك للأشياء هو الطبائع الأوائل. — وكذلك ظن أقوام أن النفس نار، من أجل أنها دقيقة الأجزاء وحرية أن تكون من بين العناصر لا جسم لها، وأنها تحرك غيرها بالذات لا بالعرض. — فأما ذيمقراط فقد أثبت فى هذا إثباتا غامضا وقال: لو كانت النفس والعقل شيئا واحدا؛ وهذا قوله: زعم أنها من الجسوم الأول التى لا قسمة لها، وأنها محركة من أجل صغر أجزائها، وأن الشكل المستدير الكرى هو 〈من〉 بين الأشكال جميعا أيسر حركة من غيره، وكذلك العقل والنار فى اسطقسهما واحد. فأما أنكساغورس فيشبه أن يكون قوله فى النفس غير قوله فى العقل، وأن كل واحد منهما كالذى أخبرنا عنه أولا، إلا أنه يستعملها جميعا كطباع واحد، ويقدم العقل على كل شىء؛ وزعم أنه من بين الأشياء مبسوط لا خلط فيه. ثم ينعته بالحركة والمعرفة، ويرفعهما جميعا اليه ويقول إن العقل محرك الكل. — وثاليس الحكيم يشبه أن يكون ظنه بالنفس، على ما نجد من ذكره، بأنها محركة فاعلة، لاسيما إذ كان يثبت نفسا لحجر المغنطيس لمكان جذبها الحديد. — وذيوجانس كان يرى أن النفس جو، كغيره ممن رأى ذلك فيها لرقة أجزاء الجو 〈و〉لطافتها. وقال إن النفس صارت علامة محركة من جنس إحداهما أولية، فبجهة أوليتها تعرف ما خلفها من الأشياء، والجهة الأخرى أنها لطيفة الأجزاء: فبلطافة أجزائها صارت محركة. — وايراقليطس زعم أيضا أن أولية نفس محركة. وكيف لا يقول هذا القول وهو القائل إن البخار ليس بجسم، وعنه تكون سائر الأشياء، وهو أبدا حار سائل؛ والمتحرك إنما يعرفه متحرك مثله، وهكذا كان يرى مع كثير من الناس أن الأشياء فى حركة. — وألقماون الحكيم مقارب لايراقليطس فيما يراه فى النفس. ويزعم أنها ليست بميتة من أجل أنها شبيهة باللائى لا تموت وإنما يثبت ذلك لها لدوام حركتها وكذلك جميع العالية : الشمس والقمر وسائر النجوم وجميع الفلك — حركها حركة مستديرة متصلة دائمة. — وقال أقوام فى النفس قولا جافيا بمنزلة الوقر الثقيل، وهذا قولهم: زعموا أن النفس ماء، وممن قال بهذا القول رجل يقال له هيفن والذى أداهم إلى أن قالوا هذا القول ما رأوا من النطفة وحالها فى أنها أرطب جميع الأشياء؛ وبهذا كان يرد هيفن على من قال إن النفس دم، وكان يرى أن النطفة هى النفس الأول. — وقال آخرون إنها دم كما قال اقرطياس: والذى دعاهم أن قالوا هذا القول ظنهم بأن الحس أخص الأشياء بالنفس، وأنه لطباع الدم دون غيره. — وقد نصت الحكماء على جميع العناصر، ما خلا الأرض فانه لم يقل أحد منهم فيها قولا قاطعا، بل زعموا أن الأرض من جميعها.
পৃষ্ঠা ১২
وجميعهم حدوا النفس بثلاثة أشياء: بحركة، وحس، وأنها ليست بجسم. وكل واحد من هذه الثلاثة يرفع إلى الأوائل. ومن أجل الذين حددوها بالمعرفة جعلوها: إما عنصر، وإما من العناصر. فقارب بعضهم بعضا بالقول ما خلا واحدا منهم، فانه زعم أن المثل يعرف بالمثل؛ فلما كانت النفس عارفة بجميع الأشياء، أثبتوا أنها من جميع الأوائل. — والذين زعموا أن العلة واحدة والعنصر واحد أثبتوا أن النفس شىء واحد: إما نار، وإما هواء. والذين قالوا إن الأوائل كثيرة جعلوا الأنفس هى أيضا كثيرة — إلا أنكساغورس وحده فانه زعم أن العقل لا يألم، وليس تشترك سائر الأشياء فى شىء من حالاته ولم يقل، بعد أن وصفه بهذه الصفة، كيف يعرف الأمور ولأية علة صار عالما بالأشياء، ولا اتضح لنا هذا مما قاله فيه. — والذين جعلوا فى الأوائل تضادا قالوا إن النفس من أشياء متضادة. والذى قال منهم بأحد الأضداد: إما بحرارة، وإما ببرودة، أو بغير ذلك مما أشبهها أجرى كلامه على هذا المجرى: إذ أن النفس واحد منها. واتبعوا الأسماء فى تأويل معانيها: فقال الذين سموا النفس شيئا حارا إنها سميت بهذا من أجل أن الحياة والحركة من الحرارة، وعلى هذا دل اسم الحياة 〈ζῆν〉 باليونانية؛ والذين سموا النفس شيئا باردا زعموا أنها إنما سميت بهذا الاسم من أجل أن التنسم والتنفس إنما يكون بالبرودة، وتفسير اسم النفس 〈ψυχή〉 باليونانية: الشىء المبرد.
وهذا ما قال القائلون فى النفس مما أدى إلينا عنهم، وما أثبتوا من لعلل فيها.
[chapter 3: I 3] 〈نقد نظرية النفس الحركة نفسها〉
فهلم فلننظر فى حركة النفس أولا. فعسى أن يكون قول القائل فى أن جوهرها محرك نفسه أو محرك غيره كذبا، وليس كذبا فقط بل عمى أن لا يمكن أن تكون لها حركة.
পৃষ্ঠা ১৩
وقد قيل أولا إن المحرك الفاعل ليس بمضطر أن يكون متحركا فى نفسه. — وكل متحرك إنما يتحرك على جهتين: إما بالذات، وإما بالعرض. وكل ما كان فى شىء متحركا — وإنما حركته بسبب ذلك الشىء المحرك له — فحركته بالعرض، ومثل ذلك السائرون فى السفينة فان تحركهم فيها ليس بشبيه بحركة السفينة المحركة لهم، لأن السفينة تتحرك بذاتها، والسائرون فيها يتحركون بحركتها. وأعضاؤنا دليل على هذا: لأن المشى أبين الحركات بالأرجل وأن الناس إذا مشوا تحركوا بذاتهم، وركاب السفينة ليسوا يمشون وهم متحركون. — وإذا كان المتحرك على جهتين، هلم لننظر فى حركة النفس: أبذاتها تتحرك، أو إنما تصير إلى الحركة بغيرها؟ والحركات أربعة: حركة انتقال، واستحالة، واضمحلال، وحركة نماء؛ فالنفس إن تحركت فاما أن تتحرك بواحدة من هؤلاء الأربع حركات، وإما بأكثرها، وإما بجميعها. فان كانت حركتها ليست بالعرض فهى طبيعية. فان ثبت هذا فقد ثبت بحركتها المكان، لأن جميع هذه الحركات التى ذكرنا توجب المكان. — وإن كان جوهر النفس، وهو المحرك لها، فليس تحركها بالعرض كمثل ما نرى تحرك الأبيض وذى الأذرع الثلاثة، فان هذه ومثلها قد تتحرك، إلا أن حركته بالعرض، لأن الجسم الذى هى له هو المتحرك، ولذلك ليس هو بمكان لها. ويلزم المكان للنفس إن كانت حركتها طبيعية. — وأيضا إن كانت تتحرك بالطباع فحركتها حركة اضطرار، وإن كانت حركة اضطرار فهى حركة طباعية. وعلى هذا النحو يجب القول فى السكون، لأن الموضع الذى تحركت فيه بالاضطرار فيه تسكن بالاضطرار. — ولو أردنا الادعاء والتجنى، لما وجدنا السبيل إلى أن نقول أية حركات تكون بين النفس باضطرار، وأى سكون منها بالقهر والاضطرار. — وإن كانت حركتها مصعدة فهى نار، وإن كانت هابطة فهى أرض، لأن بهذه الحركات تعرف هذه الأجساد. وهذا القول يلزم الحركات اللاتى بين هاتين. — وإن كان الظاهر من النفس أنها محركة الجرم، فواجب أن تكون تحركه الحركات التى تتحرك هى فى نفسها؛ وإن كان هذا هكذا، فالعكس واجب: أن الحركة التى 〈بها〉 تتحرك الجسوم هى حركة النفس. وقد بين 〈أن〉 الجرم يتحرك حركة الانتقال، فكذلك يجب أن تكون النفس متنقلة فى الجسم: إما كلها، وإما بأجزائها. وإن ثبت هذا القول ففى الامكان أن تخرج من الجسم ثم تعود اليه، ويلحق بهذا القول أن يقوم الحيوان الميت. — وإن كانت حركة النفس حركة عرض، فهى حركة حفز ودفع، كالذى نرى من الحيوان إذا حفز غيره، ليس ينبغى لما كانت حركته من ذاته وفى جوهره أن يكون محركه غيره إلا أن يكون بالعرض، كما أنه لا ينبغى للجواد فى نفسه أن يكون جوادا بسبب شىء آخر، والمرغوب فيه لذاته مطلوب لغير ذاته. وقد يجوز لقائل أن يقوم إن النفس قد تحركها الأشياء المحسوسة إذا كانت فى نفسها متحركة لأنها وإن كانت محركة نفسها إلا أنها حين تحريكها نفسها قد تتحرك لذلك، إذ كانت حركة كل شىء من الأشياء انتقاله وتزحزحه بجهة حركته التى هى له. فالنفس إذا قد تحول عن جوهرها بذاتها، إذ لم تكن محركة نفسها بالعرض، وكانت حركة جوهرها بذات النفس ثابتة. — وقد قال بعض الناس إنها تحرك جرمها الذى هى فيه بمثل ما تتحرك هى بنفسها. وقد قال ذومقراط قولا مقاربا لقول فيلبس معلم هجاء الناس فانه زعم أن رجلا يقال له دادالس هيأ صنما من خشب للزهرة وكان يتحرك من ذاته من أجل ما صب فيه من الفضة المسبوكة (وهى الزئبق). 〈وكذلك يقول〉 ذومقراط إن الأجزاء المستديرة التى لا تتجزأ، من أجل أنها أبدا تتحرك، كذلك تجتذب الجرم وتحركه. ونحن نسأله فنقول: إذا كان هذا بعينه من النفس، أتفعل أيضا سكونا؟ والجواب يصعب فى الاخبار عن السكون كيف يكون منها. وعسى أن لا يمكن أن يقال فيه شىء، وذلك أن تحريك النفس للحيوان لا يكون من هذه الجهة ألبتة، وإنما يكون بضرب من ضروب الاختيار والعزم.
পৃষ্ঠা ১৫
وقد قال أفلاطن فى كتابه إلى «طيماوس» عندما فحص الخبر عن طباع النفس إنها [إذا] تحرك الجرم بتحركها من أجل أنها مرابطة له ومقارنة. وإنما كونها من العناصر، وهى ذات أقسام كعدد التأليف، ولكى يكون لها حس طبيعى من التأليف، ولتتفق حركات الكل حنى الخالق خطها المستقيم [...] فجعله دائرة ثم قسم الدائرة الواحدة بدائرتين تلتقيان على قطبين، فقسم أحدهما بسبعة أفلاك فصير حركات الفلك حركات النفس. هذا 〈قول أفلاطن〉 — وقبل كل شىء فانه لا يصح قول القائل إن النفس جسم، لأنه إذا قال هذا القول ألزم نفس الكل معنى الجسم، ونفس الكل هو العقل الذى يسمى عقلا، وليس هذه حال النفس الحاسة أو النفس النامية، لان حركاتها ليست حركات مستديره فلكية. فأما العقل فحركته حركة مفردة متصلة كمثل الفهم، والفهم هو المعنى. وهذه من جهة التوالى شىء واحد كمثل العدد، وليس مثل العقل، لذلك لم يكن العقل بهذه الجهة متصلا، بل هو فى نفسة لا أقسام له. وليس اتصاله مثل اتصال الجسم. — وإلا فكيف يدرك الجسم وهو جسم؟ ولابد من أن يكون إدراكه إما بجزء من أجزائه (إن جاز أن نقول إن له جزءا ما) 〈أو〉 بنقطة بعد نقطة وإن كان إدراكه الشىء بنقطة بعد نقطة، والنقطة تزيد 〈إلى غير نهاية〉 فليس تنقطع النقط ولا تنفد، فلا يأتى على إدراك ما أراد إدراكه وإن كان إدراكه الشىء إنما يكون بجسم، فهو مدرك الشىء بعينه إما مرارا كثيرة، وإما مرارا غير محصلة. وقد رأينا إدراك الشىء مرة واحدة من الممكن، وإن كان يكتفى فى حد الادراك أن يماس الشىء بجزء من أجزائه، فما حاجته إلى حركة الدور، أو أن يكون له جسم ألبتة؟ وإن كان فى موضع الادراك مضطرا أن يماس الشىء بحركة دورة، فما معنى مماسة الشىء بحركة دورة؟ وما معنى مماسة الشىء بأجزائه؟ أو كيف يعقل ذو الأقسام ما لا قسم له؟ أوما لا جزء له كيف يدرك ذا الأجزاء؟ وباضطرار، إذا كانت حركة العقل حركة دورة، أن العقل فلك وإنما حركة العقل الادراك، وحركة الفلك الاستدارة؛ فالعقل إذا فلك إن كانت استدارته إدراكا. — ويجب أن يكون أبدا مدركا شيئا، إذ كانت حركة استدارته حركة سرمدية. وقد ينتهى الفكر فى الأعمال ولها نهاية (لأن جميعها إنما تكون من أجل غيرها) ونهايات الفكر فى العلم محدودة بالقول أيضا؛ والقول حد وبرهان، وجميع البراهين لها من ابتدائها مخرج إلى غايتها، وغايتها جمع مقدماتها أو نتائجها وإن لم ينتج البرهان، فليس يحتمل العكس على مقدماته. ومتى ما صار للبراهين واسطة وطرف استقام مذهبها، وإن الاستدارة قد ترجع عاطفة على أو لها. وجميع الحدود لها غايات ونهاية. — وإذا كانت حركة العقل حركة دور غير منقطعة، فمدرك الشىء قد يدركه بعينه مرارا كثيرة. — والادراك بالعقل، بالسكون أشبه منه بالحركة، وكذلك السلوجسموس وهو القياس. فجميع المقدمات أشبه بالسكون منه بالحركة. وما كان يعسر أمره فلسنا به مغتبطين. فان كانت حركة النفس ليس من جوهرها، فحركتها خارجة من الطباع. — واختلاطها بالجرم يورثها وجعا وأذى، إذ لا يمكنها التخلص منه، وليهرب 〈منه〉 العقل، كما جرى القول فى العادة ورآه الكثير، فلا يكون مع الجسم — خير له وأصلح لشأنه. — وتبقى علة السماء المحركة لها حركة الدور مجهولة غير معروفة، لأنه ليس جوهر النفس بعلة لحركة دورتها، ولكنها تتحرك هذه الحركة بالعرض . والجرم أيضا ليس بعلة لحركة نفسه، بل النفس أحرى أن تكون علة حركة. ولا يمكن أن نقول إن هذه الحركة خير للنفس من غيرها، وإلا رجع القول على الخالق فقلنا: كان ينبغى لله عز وجل أن يجعل حركة النفس حركة دورة، لأن تحركها بهذه الجهة خير من أن تسكن، وأن تكون متحركة بهذه الجهة خير من غيرها.
পৃষ্ঠা ১৭
ولكن إذا كان هذا ومثله من النظر 〈أجدر 〉 بغير هذا القول، 〈فلندعه الآن〉. — وفى قول الأكثرين مما قالوا فى النفس 〈أمر〉 فظيع قبيح، لأنهم ضموا النفس إلى الجرم وأنزلوها منزلة من لم يحدوا له فى ذلك حدا، ولم يبينوا فى ذلك علة لم كان ذلك كذلك، مع أن هذا قد يكون بالاضطرار: وإنما الجسم والنفس من أجل اشتراكهما: بعضها يفعل وبعضها ينفعل، أحدهما محرك والآخر متحرك. وليس من هذين تثبت حجة من رأى هذا الرأى. ومنهم من قصد الخبر عن النفس وما هى ولم يحد حدا فى الجرم القابل للنفس، كالذى قال فيثاغورس وأصحابه من خرافاتهم فى أنه يمكن النفس الانتقال إلى أى جرم وافت من الأجرام، 〈وهذا باطل〉 فان كل شىء له شبح وصورة خاصية. ومن قال بهذا القول كان مقاربا لقول قائل لو قال إن صناعة النجارة تستعمل آلة الزمير: ولا ينبغى للصناعة أن تتخذ إلا آلتها، فكذلك النفس: أن 〈لا〉 تستعمل إلا جرمها.
[chapter 4: I 4] 〈نظرية النفس — تأليف، ونظرية النفس عدد محرك لذاته〉
وقد قيل فى النفس قول آخر قد أقنع الكثير من الناس، وليس [هو] يرون غيره مما قيل فيها والحجج لازمة له مثل ما يلزم أهل الخصومة فى مواضع الحكومة. وهذا قول من رأى هذا الرأى: زعموا أن النفس من التأليف، والتأليف إنما هو مزاج وتركيب من أشياء مختلفة؛ وكذلك الجرم مركب من أشياء مختلفة. — إلا أن التأليف معنى من المعانى أو تركيب أشياء قد خلطت. وليس يمكن النفس أن تكون أحد هذين. — وأيضا ليس التحريك من التأليف بشىء، والجميع يخص النفس بهذا ويقول إنها محركة. وإنما يحسن أن يشبه التأليف بصحة البدن وبالفضائل التى تعرف بالأجسام، ولا يليق ذلك بالنفس. — وإنما يستبين ذلك جيدا وما فيه من الصعوبة إن أحد رام 〈جعل〉 تغير النفس العارض لها وما يظهر من أفعالها 〈قائما〉 على التأليف.
পৃষ্ঠা ১৮
وإذا قلنا تأليفا فانما نقصد شيئين بالحقيقة: أحدهما الجسم الذى له حركة وضرب من ضروب الانتصاب، والآخر نريد به تركيب الأجسام التى إذا ألفت لم يمكنها أن تقبل بينها شيئا من جنسها؛ ومعنى ذوى الخلط من الأشياء داخل فى هذا. وليس فى هذين شىء يليق بمعنى النفس. وقد يمكننا الفحص إمكانا كثيرا عن تركيب أجزاء الجسم، لأن تراكيبها كثيرة فى عددها، كثيرة فى وجوهها: فأى تركيب ينبغى أن يظن بالعقل؟ وكيف ذلك، إلا أن نقول إن تركيبه من القوة الحاسة والقوة المشتهية؟ — وكذلك قد يغبى على الناظرين كيف يكون معنى 〈أن〉 الخلط نفس، فان معنى خلط العناصر فى جزء اللحم وفى جزء العظم واحد؛ تم يعرض من ذلك أن يكون فى كلية الجرم أنفس كثيرة، إذ جميع الأعضاء من خلط العناصر، ومعنى خلطها تأليف ونفس.
وقد يمكن [من] أن نؤاخذ أنبادقلس بقوله إن كل واحد من الأعضاء له معنى من معانى الخلط، فنقول له: معنى التأليف هو النفس، أو النفس شىء آخر حال فى الأعضاء؟ ويسأل أيضا أنبدقلس فيقال له: المودة التى قلت بها أهى علة الخلط كيفما كان الخلط، أو إنما هى علة للمحمود منه المقدر؟ وهذه العلة هى بمعنى الخلط أوهى شىء غير ذلك المعنى؟
هذه المعاضلات والمسائل تلزم من قال بهذا القول. وإن كانت النفس شيئا غير معنى الخلط، فلم، مع فساد صورة اللحم، وتفسد صورة سائر أعضاء الحيوان؟ ومع هذا إن لم تكن نفس لكل واحد من الأعضاء، وليس لمعنى الخلط نفس، فما الذى يفسد عند مفارقة النفس؟
পৃষ্ঠা ১৯
فقد استبان واتضح مما قد قيل إنه لا يمكن النفس أن تكون تأليفا، ولا أن تتحرك حركة الدور، كما ذكرنا آنفا. — 〈أما〉 أن تتحرك بالعرض، وأن تحرك نفسها: كذلك أنها تتحرك فى الشىء الذى هى فيه، وذلك يتحرك بتحريكها إياه، 〈فهذا ممكن〉؛ وليس يمكنها أن تكون متحركة حركة المكان بغير هذه الجهة. — وأحق الأشياء بمن عانى فى المسالة بأمرها وتحريكها النظر فى أحوالها عن الحزن والفرح، والاقدام والتخوف، والغضب والتفكر، والادراك بالحس، فقد نراها فى جميع هذه الأحوال، وبهذه الأحوال لها حركة غير مدفوعة. ولذلك يظن الظان أن النفس تتحرك فى هذه الأحوال. وليس ذلك باضطرار. لأنه، وإن كان الحزن والفرح والتفكر ضربا من ضروب الحركات، وكل واحد منها بشىء متحرك، إلا أن المتحرك إذا حركته للنفس: فالغضب والخوف يكونان بنمو القلب وانخفاضه، والتفكر أيضا إما كهذين وإما شىء آخر، وبعض هذه الأعراض قد يكون بانتقال أشياء متحركة، وبعضها باستحالة وتغيير (فأما ما هى وكيف تكون — فذلك قول آخر)؛ وقول القائل إن النفس تغضب بمنزلة قول القائل إن النفس تنسج أو تبنى. وعسى أن يكون الأصلح ألا يقال إن النفس تفرح أو تتعلم أو تفكر، بل يقال: إن الانسان يفعل كل ذلك بالنفس، وليس ذلك لأن الحركة تصير اليها فتصير فيها، بل مرة تنتهى فتبلغها كمثل الحس الذى يؤدى اليها عن الأشياء، ومرة تكون الحركة منها إبتداء مثل التذكر للشىء: فانه يكون منها: فاما بقى فيها فلم ينفذ إلى غيرها، وإما أتى على حركات الحواس فغيرها. — فأما العقل فيشبه أن يكون سببا للنفس ثابتا غير فاسد. ولو فسد لعرض ذلك له فى وقت الكبر. وإنما يعرض العارض كمثل ما يعرض فى الحواس. ولو كان للشيخ الكبير السن بصر جديد لأبصر كمثل ما يبصر الشاب. فالكبر هو العلة. وليس ذلك لأن النفس ألمت ألما، بل إنما ألم الشىء الذى النفس فيه، كالذى ترى من حال الفكر والفهم فى أوقات الأمراض والسكر: فانهما يضعفان. وليس ذلك لفساد الشىء الذى داخل، فان ذلك لا يألم ولا يتغير. وليس التغير فى حد التفكر والود والبغضة أعراضا لذلك، بل إنما هى أعراض للشىء والحامل الذى فيه من الجهة التى يحمله. ولذلك إذا فسد الحامل لم تذكر النفس ولم تود، لأن هذه الأحوال ليست لها، وإنما هى لحاملها التابع الذى إذا فسد أفسدها، فأما العقل فيظهر أنه روحانى لا يألم.
পৃষ্ঠা ২০
من هذا الكلام قد استبان لنا أنه لا يمكن النفس أن تكون متحركة، وإن كانت لا تتحرك ألبتة فلا شك أنها إن تحركت لم يكن ذلك من تلقائها.— ومن قال إن النفس عدد محرك نفسه فقوله أكثر جهلا ممن قال بالأقاويل التى حكينا؛ وذلك أنه ليس فى قوله إمكان: وأول ذلك ما يعرض من قول القائل إنها متحركة، وإنها عدد. — فليقل صاحب هذا القول: كيف ينبغى لنا أن نفهم واحدا عددا متحركا؟ وأى شىء حركته؟ وكيف ليس له أجزاء ولا فصل؟ وإذا كان الواحد بزعمه محركا 〈ومتحركا معا〉، فمن جهة تحريكه ينبغى أن يكون له فصل. — وإذا كانوا يقولون إن الخط إذا تحرك فعل سطحا، والنقطة تفعل خطا، فحركات الآحاد تصير خطوطا، لأن النقطة إنما هى واحد له نصبه؛ فاما عدد النفس فأين هو، وأى نصبة له؟ — والعدد إذا أخرج أحد منه زوجا أو فردا واحدا، فسيبقى عدد ما غير ما أخرج من المخرج. وإن الشجر وكثيرا من سائرالحيوان بعد التجزئة يبقى حيا، وتبقى فيه النفس التى لصورته. — وليس بين قول القائل: آحاد، وبين قوله، أجسام لطاف — فرق، لأن الهباء، وهى الأجزاء المستديرة التى قال بها ذيمقراط متى صارت منها نقط محفوظة كميتها، كان فى تلك الكيفية شىء محرك فاعل، وهى متحرك مفعول به كالذى يكون فى الجسم المتصل. وليس يحدث ذلك من أجل الفرق الذى بينهما فى العظم والصغر، إلا بحالة نفس الكمية. ولذلك وجب بالاضطرار أن يكون شىء محركا للآحاد. وإذا كان المحرك الموجود فى الحيوان هو النفس، فهى إذا محرك العدد. ولسنا نقول: إن بالجسم شيئين: محرك فاعل ومحرك مفعول به، بل إنما هى محركة فاعلة فقط. وكيف يمكن النفس أن تكون أحدا فردا واحدا؟ والواجب أن يكون بينها وبين سائر الآحاد فصل. فأما النقطة الوحدانية فأى فصل لها، ما خلا النصبة؟ — وإن كانت آحاد أخر فى الجسم، فستجتمع الآحاد والنقط فى مكان. وليس من مانع يمنع أن يجتمع منهن اثنان أو ما لا عدد له؛ فما لا قسمة لمكان فهو أيضا لا تجزئة له. وإن كانت النقط التى فى الجرم هى عدد النفس، والنفس عدد نقط الجرم — إن كان هذا هكذا، فلم 〈لا〉 تكون نفس لجميع الأجرام؟ فجميعها ذوات نقط لا غاية لها. وأيضا كيف يمكن النقط أن تباين الأجساد وأن تتبرأ منها، إلا أن تتجزأ الخطوط والنقط؟
[chapter 5: I 5] 〈استمرار البحث فى نظرية النفس عدد محرك لذاته — نظرية النفس الحالة فى كل شىء. — وحدة النفس〉
পৃষ্ঠা ২২
ثم يعرض لنا ما قلنا من شركة من قال إن النفس جسم لطيف الأجزاء، أو لمن قال بقول ذيمقراط وأتباعه، لأنه إن كان النفس فى جميع الجسد الحاس 〈فمن〉 الاضطرار أن فيه جسمين، إن كانت النفس جسما؛ ويلزم القائلين إن النفس عدد إثبات نقط كثيرة فى نقطة واحدة، وأن لكل جسم نفسا، إلا أن يكون هناك عدد غير عدد النقط الموجودة فى الجرم. — ويعرض أيضا من قولهم إن تحرك الحيوان لا يكون إلا من عدد، كالذى ذكرنا عن قول ذيمقراط، ولا فرق بين من قال إن المحرك للنفس أجسام صغيرة مستديرة، وبين من قال إن الآحاد العظيمة تحركها: لأن قائلى هذين القولين جميعا يوجبان للحيوان التحرك بتحرك الآحاد والهباء المستدير. — هذا وكثير غيره من قبيح القول يعرض لمن أضاف الحركة إلى العدد، فزعم أنهما محركان للنفس. ومثل هذا القول لا يمكن أن يكون حدا للنفس، ولا حدا للعرض. وإنما يستبين ذلك متى طلب أحد استخراج علم أفعال النفس من هذا الحد أو علم الآفات المعترية لها كقولك: الفكر، والادراك بالحس، واللذاذة والحزن وغير ذلك مما يشاكل هذا الضرب. وليس يسهل هذا ولا يسوغ ولو أردنا المعنى والقصد، كالذى قلنا.
والضروب التى يحدون النفس بها حدود ثلاثة: منهم من حدها فأثبت لها الحركة وأنها محركة نفسها؛ ومنهم من قال إنها جسم ألطف أجزاء من سائر الحيوان. وقد تقدمنا فقلنا ما يلزم من قال بهذا القول من المسائل والمعاياة، وأخبرنا بما فى قوله من التناقض والاختلاف. وقد بقى علينا النظرفى القول الثالث، وهو قول من رأى أن النفس من العناصر. — لنعلم كيف قالوا هذا القول. والذى دعاهم، بزعمهم، إلى أن يقولوا هذا القول إثبات الادراك لها، ليكون إدراك الأشياء عاما لكل واحد منها. وقد يعرض فى هذا القول بالاضطرار أشياء كثيرة غير ممكنة، وذلك أنهم وضعوا فى أصل كلامهم أن المثل يعرف بالمثل، فجعلوا النفس كأنها هى الأشياء؛ وليست الأشياء المعروفة عند النفس كل الأشياء ولا غيرها، بل هناك غيرها كثير وعسى أن تكون لا غاية لعددها. — فإن جعل النفس تعرف ما منه كانت وتحس بكل جزء منها؛ فجملة الأشياء: بماذا تعرفها وبماذا تحسها؟ كقولك: بأى شىء تعرف الله، أو الانسان، أو جزء اللحم، أو جزء العظم وما شاكل ذلك من ذوى التركيب؟ فان عناصر كل واحد من هذه لم يتواف على البحث أو كيفما جاء، إنما توافى وائتلف بقدر من أقدار التركيب، كما قال أنبادقلس فى العظم:
«إنه توافت ثمانية أجزاء لكونه: أربعة من النار
«واثنان من الأرض
واثنان من الهواء، فصارت العظام من أجل هذه بيضا».
পৃষ্ঠা ২৩
فلا منفعة فى أن تكون العناصر فى النفس، إلا أن تكون فيما صوره الكائنة عنها عند تراكيبها. وإنما يعرف كل شىء مثله، فالعظم أو الانسان إذا ليس بشىء يعرف إلا أن يكونا فى النفس. ولسنا نحتاج فى أن هذا غيرممكن إلى كلام؛ فمن يراه يستجيز المسألة فى أن كان فى النفس حجرا أوإنسانا؟ وكذلك كان القول فى 〈الخير واللاخير، وفى〉 سائر ما هناك.
فلما كان الموجود الذى يسمى «هو» يقال بوجوه كثيرة (فمرة يدل على آنية الشىء وجوهره، ومرة على الكمية، ومرة على الكيفية، أو على أحد النعوت التى جزئت) طلنا أن نعلم: أمن جميعها النفس، أو ليست من جميعها؟ والاسطقسات ليست اسطقسات لجميع الأشياء. وان كانت أصناف الجواهر إنما هى من هذه العناصر وحدها، فكيف تعرف الجواهر من سائر الأشياء؟ أوإنما يقولون إن لكل جنس عنصرا 〈ومبادئ〉 أولية خاصة، وعن هذه الأوائل والعناصر تكون النفس؟ لا محالة، إن كان هذا هكذا، أن النفس كيفية، وكمية، وجوهر. إلا أنه لا يمكن الجوهر أن يكون من عناصر الكمية فتبطل الكمية. لأن هذا وغيره يعرض فى كلام من قال إن النفس مع جميع الاسطقسات. — ومن القبيح أن يقال إن المثل لا يألم من مثله، وإنما يعرف الشىء بمثله، وهم مقرون بأن الادراك بالحس تحرك وانفعال، وكذلك الادراك بالفهم والمعرفة.
পৃষ্ঠা ২৪
والذى نقول شاهد على أن الاعتياص كثير فى معاياة من قال بمثل قول أنبادقلس إن كل واحد من الأشياء إنما يعرف الأشياء بالعناصر ومما أشبهها فيه من المثل، لأن ما كان بالحقيقة فى أجرام الحيوان من الأرضية عظما كان أو عقبا أو ظفرا فليس لها حس يدرك به شيئا من الأشياء، وكذلك يجب ألا يحس بمثلها. — وبقوله ينبغى أن يكون أيضا الجهل أكثر فى الأوائل من المعرفة، وذلك أن الواحد منهن إنما يعرف شيئا واحدا ويجهل الكثير، من أجل أن الجميع من سائر الأشياء. 〈و〉يعرض فى قول أنبادقلس تجهيل الله، لأنه فرد أحد لا يقبل الفساد ولا يعرفه؛ ويعرف الموات جميع الأشياء لأنها عن جميعها تكونت. — وفى الجملة، لأية علة لم يكن لجميع الأشياء نفس إذ كان كل شىء إما عنصرا، وإما عن عنصر واحد، أو من كثير، أو من الجميع؟ — فقد يجب لها بالاضطرار أن تعرف إما شيئا واحدا، وإما أشياء، وإما جميع الأشياء. ويجوز لسائل أن يسأل: ما الذى يؤلف العناص؟ ويشبه أن يكون المؤلف للهيولى وممسك الشىء ما كان هو أشرف 〈و〉أفضل وأكرام. فأما النفس فليس يمكن أن يكون شىء أشرف منها رئاسة، وأحرى ألا يكون يكون فى الامكان شىء أفضل من العقل. ونحن 〈نقر〉 له أن يكون بالطباع مالكا متقدما. فأما العناصر فانها متقدمات على الأشياء.
পৃষ্ঠা ২৫
وجميع من قال إن النفس عن العناصر كانت، من أجل معرفتها وإدراكها الأشياء بحسها ومن حدودها بالحركة، لم يقل هذا القول فى كل نفس، لأن كل ذى حس ليس بمتحرك، فقد نرى بعض الحيوان راتبة فى أماكنها؛ والنفس لا تحرك الحيوان من جميع الحركات إلا حركة الانتقال. وعلى هذا أجرى كلام من جعل العقل والحس من العناصر، ومن الظاهر أن النبات حى وليس له حركة انتقال ولا حس، ويرى كثير من الحيوان وليس له فكرة. ولو أضرب أحد عن هذه ثم جعل العقل جزءا من النفس، وجعل القوة الحاسة كذلك، لما كان قوله قولا عن كل نفس: لا عن الكلية ولا عن الفردية. — وبهذا القول كان يقول أرفيوس، إذ زعم أن الرياح تحمل النفس من الكل فتصيرها إلى داخلها فى حال تنفسها. وليس يمكن أن يعرض هذا لذوات النبات، ولا لطائفة من الحيوان، لاسيما إذا لم يكن جميعها متنفسا، إلا أن هذا ذهب عن أصحاب هذا الرأى. — لكن ينبغى أيضا للنفس إذا فعلت أن يكون فعلها من الاسقطسات، فليس بها حاجة إلى جميعها، ولا أن يكون فعلها من جميعها، فقد تقدم جزء واحد من المختلفة بالقضاء على نفسه وعلى ما خالفه، كالذى يعرف بالخط المستقيم، فانا نعرف بالخط المستقيم نفسه والأعوج، وذلك أن المسطرة قاضية على الأمرين جميعا؛ فأما الخط الأعوج فليس يقضى على نفسه ولا على الخط المستقيم.
وقد زعم أقوام أن النفس مخالط الكل؛ وأخلق بثاليس الحكيم أن يكون على ظنه بأن الكل مملوء روحانية عالية، من هذه الجهة. — ويلزم هذا القول مسائل عدة: منها أن يقول القائل لأية علة لم تقعل النفس التى فى الجو وفى النار حيوانا، وفعلت ذلك فى ذوى الخلط من الأشياء، وهى فى المبسوطة من الأشياء أفضل وأكرم؟ (وللطالب أن يطلب أيضا فيقول: لم كانت النفس التى فى الجو أفضل من التى فى الحيوان وأشد بعدا من الموت؟). ويعرض للقولين جميعا السماجة والفظاعة، لأن من قال إن الجو والنار حيوان فقد قال فظيعا، ومن ترك إثبات الحيوان عند وجود النفس فقد فعل فعلا قبيحا سمجا. — وأخلق بهم أن يكون ظنهم بالنفس أنها فى النار وفى الجو، ومن أجل أنهما فى كلتيهما مساويان فى الصورة لأجزائهما، ولذلك اضطروا إلى أن قالوا إن النفس مساوية فى الصورة لأجزائها، إذ كان الجزء من الجو إذ صار فى الحيوان جعل الحيوان ذا نفس. فان كان الجو إذا تشرب وتفرق مساويا فى صورته وليست النفس متسابهة الأجزاء، فهو بين أن بعضها موجود وبعضها غير موجود. ويلزمها بالاضطرار إما كانت متسابهة الأجزاء، وإما ألا تكون فى جزء من أجزاء الكل.
وقد استبان مما قيل أن المعرفة لم تصر للنفس من قبل العناصر، وأن من قال إنها متحركة لم يقل حقا ولا صدقا.
পৃষ্ঠা ২৬
ولكن إذا كانت المعرفة والادراك بالحس والارتياء، والشهوة والارادة والأدب للنفس؛ ومنها حركة الانتقال فى الحيوان، ومنها الغذاء والنماء والضمور، فينبغى أن تعلم إن كان كل واحد من هذه لكلها أو لبعضها. إذا فهمنا 〈هذا〉، أفكلها يفهم ويحس ويتحرك ويفعل ويألم، أو بعض هذه يكون بأجزاء من أجزائها، وغيرها بأجزاء أخر؟ وفى الحياة أيضا نقول كذلك: أفى واحد من هذه الحياة، أو فى أكثرها، أو فى كلها، أو لها علة أخرى؟ — وقد قال أقوم إن النفس ذات أقسام، وإن الجزء الذى تدرك به [معرفة] الأشياء غير الجزء الذى يشتهى به. فما الممسك للنفس إن كانت ذات أجزاء أو أقسام؟ والجرم لا يفعل ذلك بها، بل النفس أحرى أن تكون ممسكة الجرم، وذلك أنها إذا خرجت عنه تحلل ففسد. فان كان الذى فعل النفس فردا شىء غيرها، فذلك أحرى أن يكون نفسا. ثم يحتاج إلى الطلب ليعرف ذلك: أواحد هو أو شىء كثير الأجزاء؟ فان كان واحدا مفردا، فلأية علة لم تجعل النفس واحدة مفردة؟ وإن كان ذا أقسام، فالطلب واجب إلى أن تعلم بالمحيط به الجامع له، ثم تذهب العقول على هذا المجرى إلى ما لا غاية له. وللسائل أن يسأل عن أجزاء النفس فيقول: أية قوة لكل واحدة من هذه التى ذكرنا فى الجرم؟ لأنه إن كانت النفس كلها ممسكة الجرم، فجائز أن تكون الأشياء تمسك شيئا بعد شىء من الجرم. وهذا ما لا إمكان فيه: ولو أردنا أن نبدع فى ذلك قولا فنخبر كيف يمسك العقل جزءا من أجزاء الجرم، اعتاص ذلك علينا أو لم نجد إليه سبيلا.
পৃষ্ঠা ২৭