وقد قال بعضهم إنه أحرى بالنفس أن تكون أول محرك. فلما ظنوا أن ما ليس بمتحرك لا يمكنه أن يحرك غيره، فانهم 〈قالوا〉 إن النفس بعض الأشياء المتحركة. ومن هاهنا قال ذومقراط إن النفس نار وشىء حار، وإن المفردات من الأشياء ذوى الأشكال لانهاية لكثرتها، وليس بين جميعها شىء مستدير كرى ما خلا النار والنفس مثله الهباء المنبث فى الجو الذى يستبين لنا بشعاع الشمس الداخل من الكوى — زعم ذومقراط أنه عنصر لجميع الطبائع (وبهذا القول كان يقول لوقيفوس). فما كان من هذا الهباء مستديرا فى شكله فذلك بزعمه نفس، من أنه [وما كان مثله] مداخلة الأجسام والنفوذ فى الأشياء وتحريكها؛ فظنوا أن هذا الهباء هو النفس معطية الحيوان الحركة، ولذلك وضعوا التنفس حد الحياة. لأن الجو المحدق بالجسوم يجمع الهباء فيدفع منه ما يمكنه الكسور أبدا فى اسطقسه المستدير فيعطى الحيوان الحركة، فالوارد منه معين على التنفس لما تقدم ومانع من أن ينقضى أو يخرج من الحيوان مع حبس جميعها، الجو حابس الجسوم ومجمدها. فالحياة قائمة ما أمكن الهباء أن يفعل هذا الفعل. — ويشبه أن يكون أشياع فيثاغورس أرادت هذا المعنى له: قال بعضهم إن النفس هو الهباء الظاهر فى الجو؛ وقال آخرون منهم إن محرك الهباء ضوء النفس. وقد أخبرنا لأية علة قالوا هذا القول فى الهباء. والعلة لهذه أن الهباء فى ظاهر أمره أبدا يتحرك، ولو كان همود من الريح أولا. — وربما بهذا القول يقول من زعم أن النفس محركة لنفسها لأن كلهم قالوا بأن الحركة أخص بالنفس وأن الأشياء إنما تتحرك من أجزاء النفس وهى حركة نفسها؛ وهذه حجتهم: زعموا أنهم لم يروا شيئا فاعلا إلا أن يكون أيضا هو متحركا. — وكذلك قال انكساغورس: زعم أن النفس هى الحركة، وغيره ممن قال إن العقل هو محرك الكل. إلا أنهم لم يحتموا حتم ذيمقراط فى قوله: النفس والعقل فى الحقيقة شىء واحد، وأن الظاهر من الأشياء هو الحق؛ ولذلك أحسن أوميرش فى شعره إذ قال: «إن اقطر متغير بالعقل» وقال ذيمقراط ليس يستعمل العقل كقوة من القوى فى إدراك الحق، ولكنه يقول إن النفس والعقل شىء واحد. أما أنكساغورس فقلما شرحه فى كلامه عن النفس والعقل، وذلك أنه فى مواضع كثيرة يزعم أن العقل علة إدراك حقائق الأشياء وصحتها، 〈و〉فى موضع آخر يزعم أن النفس والعقل شىء واحد وأن العقل موجود فى جميع الحيوان فى الأكابر منها والأصاغر والشريف والوضيع. وليس بينا أن العقل، 〈وهو〉 إدراك مميز الأشياء ومفصلها، موجودا بحال واحدة فى جميع الحيوان أو الناس.
والذين نظروا فى الحركة التى تكون من حيث الأنفس قالوا إن المحرك هو النفس، والذين نظروا فى معرفة ذوات الأنفس وإدراكها للأشياء بحسها قالوا إن الأوائل هى النفس: ومنهم من جعل هذه الأوائل كثرة، ومنهم من قال إن الأولية واحدة كمثل انبادقلس فانه يزعم أن الأولية واحدة من جميع العناصر، وأن كل عنصر نفس على حياله. وهذا قوله:
«تعرف الأرض بالأرض والماء بالماء
«والهواء بالهواء ، والنار بالنار.
পৃষ্ঠা ৯