وقد قال أفلاطن فى كتابه إلى «طيماوس» عندما فحص الخبر عن طباع النفس إنها [إذا] تحرك الجرم بتحركها من أجل أنها مرابطة له ومقارنة. وإنما كونها من العناصر، وهى ذات أقسام كعدد التأليف، ولكى يكون لها حس طبيعى من التأليف، ولتتفق حركات الكل حنى الخالق خطها المستقيم [...] فجعله دائرة ثم قسم الدائرة الواحدة بدائرتين تلتقيان على قطبين، فقسم أحدهما بسبعة أفلاك فصير حركات الفلك حركات النفس. هذا 〈قول أفلاطن〉 — وقبل كل شىء فانه لا يصح قول القائل إن النفس جسم، لأنه إذا قال هذا القول ألزم نفس الكل معنى الجسم، ونفس الكل هو العقل الذى يسمى عقلا، وليس هذه حال النفس الحاسة أو النفس النامية، لان حركاتها ليست حركات مستديره فلكية. فأما العقل فحركته حركة مفردة متصلة كمثل الفهم، والفهم هو المعنى. وهذه من جهة التوالى شىء واحد كمثل العدد، وليس مثل العقل، لذلك لم يكن العقل بهذه الجهة متصلا، بل هو فى نفسة لا أقسام له. وليس اتصاله مثل اتصال الجسم. — وإلا فكيف يدرك الجسم وهو جسم؟ ولابد من أن يكون إدراكه إما بجزء من أجزائه (إن جاز أن نقول إن له جزءا ما) 〈أو〉 بنقطة بعد نقطة وإن كان إدراكه الشىء بنقطة بعد نقطة، والنقطة تزيد 〈إلى غير نهاية〉 فليس تنقطع النقط ولا تنفد، فلا يأتى على إدراك ما أراد إدراكه وإن كان إدراكه الشىء إنما يكون بجسم، فهو مدرك الشىء بعينه إما مرارا كثيرة، وإما مرارا غير محصلة. وقد رأينا إدراك الشىء مرة واحدة من الممكن، وإن كان يكتفى فى حد الادراك أن يماس الشىء بجزء من أجزائه، فما حاجته إلى حركة الدور، أو أن يكون له جسم ألبتة؟ وإن كان فى موضع الادراك مضطرا أن يماس الشىء بحركة دورة، فما معنى مماسة الشىء بحركة دورة؟ وما معنى مماسة الشىء بأجزائه؟ أو كيف يعقل ذو الأقسام ما لا قسم له؟ أوما لا جزء له كيف يدرك ذا الأجزاء؟ وباضطرار، إذا كانت حركة العقل حركة دورة، أن العقل فلك وإنما حركة العقل الادراك، وحركة الفلك الاستدارة؛ فالعقل إذا فلك إن كانت استدارته إدراكا. — ويجب أن يكون أبدا مدركا شيئا، إذ كانت حركة استدارته حركة سرمدية. وقد ينتهى الفكر فى الأعمال ولها نهاية (لأن جميعها إنما تكون من أجل غيرها) ونهايات الفكر فى العلم محدودة بالقول أيضا؛ والقول حد وبرهان، وجميع البراهين لها من ابتدائها مخرج إلى غايتها، وغايتها جمع مقدماتها أو نتائجها وإن لم ينتج البرهان، فليس يحتمل العكس على مقدماته. ومتى ما صار للبراهين واسطة وطرف استقام مذهبها، وإن الاستدارة قد ترجع عاطفة على أو لها. وجميع الحدود لها غايات ونهاية. — وإذا كانت حركة العقل حركة دور غير منقطعة، فمدرك الشىء قد يدركه بعينه مرارا كثيرة. — والادراك بالعقل، بالسكون أشبه منه بالحركة، وكذلك السلوجسموس وهو القياس. فجميع المقدمات أشبه بالسكون منه بالحركة. وما كان يعسر أمره فلسنا به مغتبطين. فان كانت حركة النفس ليس من جوهرها، فحركتها خارجة من الطباع. — واختلاطها بالجرم يورثها وجعا وأذى، إذ لا يمكنها التخلص منه، وليهرب 〈منه〉 العقل، كما جرى القول فى العادة ورآه الكثير، فلا يكون مع الجسم — خير له وأصلح لشأنه. — وتبقى علة السماء المحركة لها حركة الدور مجهولة غير معروفة، لأنه ليس جوهر النفس بعلة لحركة دورتها، ولكنها تتحرك هذه الحركة بالعرض . والجرم أيضا ليس بعلة لحركة نفسه، بل النفس أحرى أن تكون علة حركة. ولا يمكن أن نقول إن هذه الحركة خير للنفس من غيرها، وإلا رجع القول على الخالق فقلنا: كان ينبغى لله عز وجل أن يجعل حركة النفس حركة دورة، لأن تحركها بهذه الجهة خير من أن تسكن، وأن تكون متحركة بهذه الجهة خير من غيرها.
পৃষ্ঠা ১৭