আনোয়ার রাবিক
أنوار الربيع في أنواع البديع
أقول: ابن حجة استطرد خيل أفكاره في هذا البيت ليلحق الشيخ عز الدين لكنها كبت وقصرت، وما ذاك إلا أنه استعار لصبره خيلا، وهي استعارة مستهجنة جدًا، بالنسبة إلى رقة التشبيب، وأين هي من استعارتها للدمع، فإنها كادتا أن تكونا ضدين. وإذا نظرت إلى اشتقاق الخيل وأنه من الخيلاء، زادك ذلك استهجانًا لها، ولم تزل الشعراء تصف أنفسها في تشبيبها وغزلها بقلة الصبر وعدمه. حتى جاء هذا الرجل، فأثبت لنفسه صبرًا من أحبابه، ولم يكفه ذلك، حتى استعار له خيلًا، ثم يقول: هذا البيت غريب ولا بد لأهل الأدب من تأهيل غريبه. وأما استطراده فيه، فإنه وإن كان قصد به وصف ليالي وصلهم بالقصر، لكن السامع إذا سمع هذا البيت لا يتبادر إلى فهمه إلا أنه قصد ذمها حيث شبهها بخيل صبره التي كبت وقصرت. اللهم أنا نعوذ بك من سنة الغفلة.
وبيت الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
واستطرد الحب خيل الوصل سابقة ... بفضل ود كفضل الملك للخدمِ
هذا البيت ممسوخ الألفاظ من بيت الشيخ عز الدين الموصلي، وأما معناه فهو من البرودة في الغاية القصوى. وفضل الملك للخدم كالسماء فوقنا والأرض تحتنا، فما معنى الاستطراد إليه. وما الغرض من ذلك؟.
وبيت بديعيتي هو:
أجروا سوابق دمعي في محبتهم ... واستطردوها كخيلي يوم مزدحمِ
الاستطراد في هذه البيت من الغزل إلى الحماسة، وفي تشبيه سوابق الدمع بالخيل من المناسبة ما لا يخفى.
وبيت الشيخ إسماعيل المقري قوله:
هجرتني هجر عذالي منازلهم ... لشغلهم بي فلم أهدأ ولم أنم
هذا الاستطراد من قبيل استطراد الشيخ صفي الدين وابن جابر وهو النوع الثاني منه.
الاستعارة
ذوى وريق شبابي في الغرام بهم ... من استعارة نار الشوق والألم
اعلم أن الكلام في الاستعارة وأنواعها مما أطلق البيانيون فيه أعنه الأقلام، حتى أفردها بعضهم بالتأليف، وليس الغرض هنا استقصاء ذلك وإنما المقصود تقريبها إلى الإفهام، بتعريف يزيل عنها الإبهام، وذكر أقسامها باختصار، مع إثبات شيء مما وقع منها في محاسن النظم والنثر.
قالوا: زوّج المجاز بالتشبيه فتولد بنيهما الاستعارة، فهي مجاز علاقته المشابهة.
ويقال في تعريفها: اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي، كأسد في قولنا: رأيت أسدًا يرمي، فأسد استعارة، لأنه لفظ استعمل في شجاع شبه بالأسد الذي هو الحيوان المفترس. وكثيرًا ما تطلق الاستعارة على فعل المتكلم، أعني استعمال اسم المشبه به في المشبه، فيكون بمعنى الصدر ويكون المتكلم مستعيرًا، والمعنى المشبه به مستعارًا منه، والمعنى المشبه مستعارًا له، واللفظ المشبه به مستعارًا.
وقال بعضهم: حقيقة الاستعارة، أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها، وحكمة ذلك إظهار الخفي، أو إيضاح الظاهر الذي ليس بجلي، أو حصول المبالغة أو المجموع. فمثال إظهار الخفي قوله تعالى: (وإنه في أم الكتاب) فإن حقيقته: وإنه في أصل الكتاب، فاستعر لفظ الأم للأصل، لأن الأولاد تنشأ من الأم، كما تنشأ الفروع من الأصول، وحكمة ذلك تمثل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيًا، فينتقل السامع من حد السماع إلى حد العيان، وذلك أبلغ في البيان.
ومثال إيضاح ما ليس بجلي ليصير جليًا، قوله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل) فإن المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة. فاستعير للذل أولًا جانب، ثم للجانب جناح. وتقدير الاستعارة القريبة: واخفض لهما جانب الذل، أي اخفض جانبك ذلًا، وحكمة الاستعارة في هذا، جعل ما ليس بمرئي مرئيًا، لأجل حسن البيان. ولما كان المراد خفض جانب الولد للوالدين، بحيث لا يبقى الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنًا، احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى، فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب، لأن من يميل جانبه إلى الجهة السفلى أدنى ميل، صدق عليه أنه خفض جانبه، والمراد خفض يلصق الجنب بالأرض، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الجناح كالطائر. ومثال المبالغة (وفجرنا الأرض عيونًا) وحقيقته وفجرنا عيون الأرض، ولو عبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونًا. انتهى.
1 / 45