128

إنما البحث في أعماق الذاكرة للتمييز بين الأيام التي يحق لنا أن نصفها بالجمال، والأيام التي يكفي أن تحسب من أيام المتعة واللذة، أو أيام السرور والارتياح ...

وبين الصنفين فارق بعيد فيما يذكر وما لا يذكر.

بينهما الفارق الذي يجعل أحد الصنفين جديرا بالغبطة والتنويه ولو لم يكن منه في العمر غير يوم واحد، ويجعل الصنف الآخر على أحسن الأحوال نموذجا يتكرر على نمط واحد، ويكفي أن يذكر منه عنوانه ليغنينا بعد ذلك عن ذكر المئات والألوف من الأيام، يدل عليها ذلك العنوان ... •••

في حياة كل إنسان ذخيرة وافرة من الأيام اللذيذة الهنيئة، والأوقات الرخية الراضية، ولكنك تحسبها من أمتع أيام الحياة، ولا تحسبها من أجمل أيام الحياة.

فمن هذا الذي يعرف ما يذكر وما ينسى من الأيام، ثم يستوقف السامعين ليحدثهم عن الأكلة الشهية التي ساغت له أمس أو قبل عشر سنين؟! ...

ومن هذا الذي يعرف معنى الجمال، ثم يحسب منه تلك الليلة اللذيذة التي قضاها في أحضان الحب والهوى، ونعم فيها بنعومة ذلك الجسد وحرارة ذلك العناق.

هذه اللذائذ لا تفوت إنسانا من بني آدم وحواء، وليست من جمال النفس الإنسانية في شيء، وإنما هي تمرينات محبوبة للحواس ينعم بها كل ذي حس من الحيوان كما ينعم بها كل ذي نفس من بني الإنسان.

ليست هذه أجمل أيام الحياة، ولكنها كما تقدم أمتع أيامها، أو قد تكون في حساب الجسد أحب الأيام إليه.

أما اليوم الجميل فهو اليوم الذي يرتفع بنا إلى مقام فوق المتعة والألم والراحة، وفوق المعدات والأكباد والجلود ، وفوق مطامع النفس التي يغلبها الطمع، ويسومها أن تقبل الجميل والقبيح، وأن ترضى بالحميد والذميم ... •••

اليوم الجميل هو الذي نملك فيه دنيانا ولا تملكنا فيه، وهو اليوم الذي نقود فيه شهواتنا ولذاتنا، ولا ننقاد لها صاغرين أو طائعين.

অজানা পৃষ্ঠা