205

فتذكرت كلمته التي قالها لي يوما وأنا في المحكمة، وشعرت نحوه بشكر عميق، وقلت مجيبا: جمعا إن شاء الله! أشكرك يا صديقي.

وضغط على يدي قبل أن يرسلها وقال: الأستاذ يسأل عنك كل يوم.

فقلت متكلفا الهدوء: وكيف حاله؟

فقال: مسكين يا أستاذ سيد، صار لا يطيق شيئا، انتهت مجالسه الحافلة التي كانت تؤنس الجريدة، وفي كل يوم مصادمة مع محرر أو آخر، وأظنه استخرج جوازا للسفر إلى أوروبا، ولم يخل قلبي من الشعور بالأسف والعطف، وتذكرت كيف كان يكرمني وكيف كان يشاركني في مشاعري، وقمت مع «خضرجي» خارجين من المسجد، فتمسكت به ليتغدى معي، وذهبنا إلى مطعم الدهان كما تعودت أن أذهب في كل جمعة كأنني أدخر منه ذخيرة لمدة الأسبوع، وقضينا معا بضع ساعات سعيدة بين الغداء وبين شرب الشاي في مقهى الفيشاوي، ولا أخفي أنني مع كل ما شعرت به من السعادة في مرافقة «خضرجي» والتمتع بحديثه، أحسست في كثير من اللحظات بما يشبه الخجل من أن يراني بعض معارفي جالسا مع ساع في بدلته الصفراء، وقد كبحت هذا الإحساس في حنق، وكررت لنفسي أن هذا الساعي لو وقف أمام الله إلى جنب محمود خلف لكان هو الأكرم مكانا.

وحدثني خضرجي حديثا بسيطا لم أشعر معه بمضي الوقت، ووجدته ملما بكثير من أسرار السياسة، فزاد قدره في عيني فوق ما كان له من قدر في نفسي، وتبينت أننا لا نلمح حقائق الناس إلا إذا فتحت شدائد الحياة أعيننا، كل منا يعيش في عالم يغلقه من حوله، ويقيم حوله الحواجز من كل ناحية، فلا يبصر الآخرين إلا من بعيد، ولا يميز بعضهم على بعض إلا بمظاهرهم.

واستمر خضرجي ينتقل من موضوع إلى آخر حتى استرعى اهتمامي بقوله عن الأستاذ مختار: أظنه صار يخشى التورط، كما يخشى النزول إلى البحر من نجا من الغرق.

فسألته: ماذا تقصد؟

فمال على المائدة التي بيننا قائلا: فضيحة الأسلحة! لا يرضى أن يكتب عنها، مع أنها تعيد توزيع الجريدة إلى أكثر مما كان قبل إغلاقها.

فقلت: وكيف ذلك؟

فأجاب: عندما قدمت القهوة منذ يومين لضيفه وجدتهما يتناقشان في شيء من الحماسة وأمامهما ظرف كبير، فوضعت الفنجانين ولمحت على وجه الأستاذ تلك السحابة التي أعرفها عندما يكون في حيرة، كان وجهه محتقنا ونظرته تطلب النجدة، ولا تؤاخذني إذا اعترفت لك أن الفضول دفعني إلى التجسس، فعندما خرج الأستاذ يشيع ضيفه فتحت الظرف، وقرأت عنوان الملف: «فضيحة الأسلحة الفاسدة».

অজানা পৃষ্ঠা