لقد استطاعت هذه الزيارة أن تمكن من حب نادر لإلهام، فصار يطالب أمه بعدها أن يزورها. ولم تكن تمانع في ذلك فهي تستدعي خديجة وتعهد إليها بنادر ومعه نادرة، ولا تنسى نعيما، ويذهبون جميعا إلى بيت إلهام، وفي كل مرة كان نادر يفوز بهدية، وفي كل مرة يمرح الأطفال مرحا لا رقابة عليه، نادر مع نعيم، ونعيم يحاول أن يداعب نادرة، أما طفلا خديجة عزة وأيمن فهما وحدهما اللذان لا يشعران بشيء؛ فقد كانا أصغر من أن يفرحا أو يتمتعا. ••• - تحت أمرك يا هانم. - في الساعة الثالثة اليوم. - أنا يا افندم أنصرف في الساعة الثانية. - لا تخف، لقد أخذت خديجة الأولاد وستتغدى عند أمها. - أعرف ذلك يا افندم. - إذن؟ - ماذا يقول موظفو الوقف؟ - انصرف في موعدك وعد إلى الحرملك. - والسائق يا افندم. - إذن تشاغل بالعمل حتى الثالثة واصعد إلى الحرملك. - ألا يراني الخدم. - إنك ستذهب إلى الجناح الصيفي. - أمرك. - وهات الكراريس. - أمرك.
هل تريد الكراريس حقيقة؟ أهذا موعد يوحي بكراريس؟ أنا من جهتي لا أمانع ولكن، أي لكن؟ هل أملك شيئا في نفسي؟ حتى هذا لا أملك فيه شيئا، لقد بعت نفسي جميعا لهذا المكان، لعلني يوسف وهي امرأة العزيز، ولكني لست نبيا، وهي أيضا لا تدعوني لجمال في خارق، حبيسة ولا تملك في يدها إلا أنا. لن أستطيع أن أصنع ما صنعه يوسف، إنه بما فعل أصبح نبيا وأنا لا أنوي أن أكون نبيا، إنها فتنة طاغية، ولكن كيف أملك الجرأة، إنها تصغر الباشا بسنوات وسنوات. أنا أقاربها في السن، ولكن كيف أملك الجرأة؟ إنها هي ستهب لي الجرأة، بشبابها وشبابي، أيستطيع شبابي أن يتغلب على هذه الرهبة؟ إنها زوجة الباشا ، أأخونه؟ إذا كانت هي تخونه ألا أخونه أنا؟ وهل لي خيار؟! إما أن أخونه أو لا أكون، وهل لي الخيار؟ وزوجتي؟ أخونها، إنني أخونها إذا لم أخنها، إن مصيري ومصيرها ومصير أولادنا الطريق العام إذا أنا لم أخنها. هل أستطيع أن أتوقف؟ هل أريد أن أتوقف، هل أملك الجرأة على التوقف؟ وإن ملكتها هل أتوقف؟ يبدو أنني أصبحت أستطيب ما أصنع، على أي حال لولا خطورة ما أنا مقدم عليه لكان أمرا لا بأس به في حد ذاته، ماذا يقول أبي إن عرف؟ بل ماذا يقول إذا عرف كل ما أقوم به من غير ذلك؟ لماذا يعرف الحقيقة؟! بحسبه أنه سعيد بمنصبي. إن الحقيقة التي يعرفها الإنسان هي الحقيقة الوحيدة، وليس هناك بالنسبة إليه حقيقة أخرى. والحقيقة التي يعرفها أبي أنني رجل محترم صاحب حظوة عظيمة لدى نامق باشا، وهذه الحقيقة كفيلة بأن تجعله سعيدا. وإنه لسعيد. كل الحقائق الأخرى لا تهمه؛ فهو لا يعرفها، وإن حاول أحد أن يطلعه عليها يكون مجرما يريد أن يحرمه السعادة التي يعيش فيها. •••
وبعد أن ترك نازك راح ينزل السلم في خطوات حالمة وابتسامة مهمومة تترقرق على شفتيه. وفجأة انتبه إلى الكراريس في يده وأصبحت الابتسامة ساخرة وهو يتمتم في صوت يوشك أن يكون مسموعا: أظن لا داعي للكراريس بعد ذلك.
13 - أنا في الواقع لا أستحق في الوقف. - ولكن زوجتك تستحق. - هذه مسألة جانبية. - أنا لا أراها جانبية بالنسبة إليك. - المهم أنت. - أنا؟ - أنت شوكت فهمي بك. - مالي؟ - أنت لا تنال حقك. - كيف عرفت؟ - ألا تنال ضعفي ما تناله أختك إلهام هانم؟ - نعم. - إلهام هانم حماتي. - أعرف ذلك. - وأنا أعرف ما تناله. - ولكن كيف عرفت أنه أقل من حقنا؟ - هذا شأني. - إنك لم تستدعني اليوم لتقول لي هذا شأني. - الطريقة التي عرفت بها لا تهمك. - بل لا بد أن أكون واثقا. - كن واثقا. - كن واثقا. - كيف عرفت؟ - إن لي عيونا في الوقف. - من هم؟ - لقد أقسمت ألا أبوح بأسمائهم. - حسنا، ولكن النصيب الذي نحصل عليه الآن هو ما كنا نحصل عليه دائما. - وهذا وحده دليل كاف؟ - كيف؟ - هل ثمن المحاصيل هو هو لم يتغير؟ - آه، فعلا. - لا بد أن تنالوا حقوقكم. - نرفع دعوى. - لا تنس أن له الحقوق العشرة. - فعلا من ضمنها الإخراج والإدخال. - يخرج سعادتك ويدخل نازك هانم. - يعملها. - فماذا ترانا نفعل؟ - لا بد أن نفعل شيئا إن لم يكن من أجلي فمن أجل ابني حسام. - نقتله؟ - المسألة ليست بهذه السهولة. - كيف؟ - نادر يصبح ناظر الوقف. - نادر ما زال صغيرا. - سنة والأخرى وتصدر فتوى أنه ما دام يستطيع أن يدير أمواله فهو يستطيع أن يدير الوقف. - في هذه السنة نستطيع نحن أن ندبر أمورنا. - ولكن فكرة القتل نفسها خطيرة. - لدي أصدقاء كانوا يعملون بالحرس وإصابتهم لا تخيب. - أتعرف أحدا من هؤلاء. - أعرف الكثيرين منهم. - إذن فعلينا أن ننتظر قليلا. - ننتظر؟ - طبعا. - أنت الذي تقول ننتظر؟ - وما الغرابة في هذا؟ - أنا أعرف حاجتك للنقود دائما. - مطالب الحياة كثيرة. - مطالب الحياة أم مطالب سميحة؟ - هس. - مم تخاف؟ لقد كنا نتكلم في جريمة قتل ولم يتولك الذعر الذي تولاك من ذكر اسم ... - هس. - هس، هس. - أنسيت أين نحن؟ - في بيت بنت أختي. - زوجتي. - أتخشى أن تسمعني وأنا أذكر، هس، ولا تخشى أن تسمعنا ونحن نتآمر على قتل أبيها؟ - قد تغتفر قتل أبيها ولكن لا تغتفر ... - هس؟! - طبعا. - ألا تعرف؟ - تحس. - حسنا. وماذا تريدنا أن ننتظر؟ - ننتظر حتى تخلق عداوة بين نامق باشا وشخص آخر فلا تلحق التهمة بنا.
وصمت شوكت وحملق. - لم أكن أتصور أنك خطير إلى هذا المدى. - المسألة لا تستحق هذه المبالغة. - وكيف ستخلق هذه الخصومة؟ - هذا شأني. - مع موظفي الوقف؟ - مثلا. - صالح؟ - غير صالح بالمرة. - نعم صالح مرتبط بالباشا. - جدا. - مع ميخائيل؟ - إنه يخاف من خياله. - إذن فمع من؟ - هذا شأني.
14 - هديتك اليوم ستضعها في أصغر جيب لك. - صحيح، ما هي؟ - خذ. - مفتاح، أين صندوقه؟ - إنه صندوق كبير لا أستطيع إدخاله إلى البيت. - حقا؟ - تعال. - وسحبت يده إلى الشباك، وفغر نادر فاه غير مصدق. - هذه السيارة؟ - هذه السيارة. - لي أنا؟ - انزل ولف بها لفة وعد لتقول لي رأيك فيها.
وانتهب السلم انتهابا، وأمسكت إلهام بسماعة التليفون وأدارت رقما. - سميحة أنا إلهام. ما هذا؟ لي زمان لم أرك. أين أنت غدا؟ لا بأس، نتغدى معا.
كانت الإشاعات قد بلغت آذانها عن صلتها بزوج ابنتها ولكنها لم تهتم بهذا، ووطدت علاقتها بها منذ جاءت إليها في الزيارة الأولى. ولم تؤثر هذه الإشاعات على هذه العلاقة؛ فسميحة تستطيع أن تجتذب انتباه سيدة في ذكاء إلهام، وإلهام كانت تحس بدافع خفي لا تدري مأتاه أنها ستنتفع يوما بسميحة، واليوم يتحقق حدسها، ويعود نادر ويقبل إلهام. - إن أبي لم يفكر أن يقدم لي مثل هذه الهدية. - لعله يخشى عليك. - وأنت لا تخشين علي؟ - ولهذا لن أجعلك تخرج بها وحدك. - ماذا؟ - ستتركها هنا اليوم وتأتي بعد غد لأكون قد وجدت من سيشاركك ركوبها. - لا أريد سائقا. - لو كنت أنوي أن أحضر لك سائقا ما أحضرت لك سيارة. - برافو عليك. - إن السيارة التي تسير بسائق موجودة عندك دائما. - لا شيء يخفى عليك أبدا. - وبعد غد ستعرف إلى أي حد أستطيع أن أعرف الأشياء. •••
وحين جاءت سميحة للغداء استطاعت إلهام أن ترتب معها كل شيء. •••
وحين جاء نادر في موعده قدمت إليه إلهام الشخص الذي سيشاركه ركوب السيارة: الآنسة منال.
অজানা পৃষ্ঠা