لقد أوحى لها نامق دون أن يدري بشخص تستطيع أن تلقاه غير هذه الوجوه التي تعودت أن تزورها، والتي سئمتها ولم تعد تطيق أن تنظر إليها، وقد هيأت الحجة أمام صالح ولا يهمها إن كان سيصدق هذه الحجة في نفسه أم سيرفضها، لقد أحست أنها إن لم تتصل بغير هؤلاء اللواتي فرضن عليها ستجن، ولم تكن تحب أن تجن. ••• - في كل يوم تقول هذا. - في كل يوم أتحول عن الشخص الذي تمنيت أن أكونه إلى شخص آخر كنت دائما أخشى أن أكونه. - لماذا لا تقدم استقالتك؟ - ارتبط اسمي بالوقف. - تستطيع أن تعمل في أي مكان آخر. - نامق لن يسمح لي أن أعمل، ونفوذه ضخم. - لن تموت من الجوع. - لم أستطع أن أفعل هذا وأنا شاب في أول الطريق. كيف أستطيع الآن أن أفعله بعد أن أصبحت في هذه المكانة من الوقف؟ - لعل هذه المكانة تهيئ لك مكانا تجد نفسك فيه مرتاح الضمير. - بل إن هذه المكانة ستقفل الأبواب في وجهي. - لن تموت من الجوع. - وأولادي؟ ما مصير عزة وأيمن؟ - لن تموت من الجوع. - أخاف من الخوف، القلق على مصيرنا يرعبني. - إذن لا تشك. - اسمحي لي أن أشكو على الأقل. - إن نفسي تتقطع من شكواك. - وأنا نفسي تتمزق مما أصنعه. - النفاق؟ - النفاق أصبح طبيعة الآن. - أهناك ما هو أدهى؟ - لماذا لا تزورين نازك هانم؟ - تشكو ولا تفصح؟! - خديجة، إنني أشكو إليك لأنني لا أستطيع أن أشكو إلا إليك، أما أن أفصح فهذا لا يهم، لا يهمك مطلقا أن تعرفي التفاصيل.
أتعرفين صورة دوريان جراي، إنني أراها أمامي دائما. أرى نفسي دائما تزداد قبحا وقتامة، أصبحت نفسي كريهة أمام نفسي، وأجد نفسي أنزلق، وأعرف أنني أستطيع أن أتوقف ولكني أسير وأنزلق. وأعرف أننا لن نموت من الجوع ولكنني لا أملك الشجاعة، الشيء الوحيد الذي أستطيعه هو أن أشكو إليك. - هذه الشكوى المبهمة المليئة بالأحاجي والغموض. - لعلني أرتاح. - وهل أنت مرتاح الآن؟ - لماذا لا تزورين نازك هانم.
12
وزارت خديجة نازك وصحبت معها طفليها، ولعب الطفلان مع نادرة، واستأذنت خديجة أن تصحب الأطفال وتخرج بهم فسمحت نازك بذلك، وخرج الأطفال جميعا صحبة ومعهم نعيم الذي أصبح ملازما لنادر.
وجالت خديجة بصحبتها في مجالي القاهرة، ثم ذهب بهم جميعا إلى بيت أمها.
وفرحت إلهام بهذه الزيارة غير المتوقعة فرحا أخذ عليها مجامع نفسها؛ فقد كانت تريد أن تتوسل بأي طريقة تصلها ببيت نامق، ولم تكن دعوتها لصالح وقبولها أن يتزوج خديجة إلا وسيلة ترجوها ليتم هذا الاتصال.
كانت تريد نادر بالذات أن يحبها، كانت تريده لأنه الشخص الوحيد الذي يمكن أن يتصل بها بلا حرج. فأخته نديرة صلة لا بأس بها، وهو لا يعنيه في شيء أن إلهام كانت زوجة أبيه، بل هو حتى لا يفهم هذه الصلات ولا يهتم بها.
سارعت إلهام إلى سائق سيارتها وأمرته أن يسارع فيشتري بندقية رش، ووعدته بمكافأة إن هو لم يتأخر.
وسرعان ما عاد السائق، وأهدت إلهام البندقية لنادر. - كلما جئتني ستجد هدية.
وأوشك نادر أن يجن من الفرح.
অজানা পৃষ্ঠা