فعاد سلمان إلى الضرب بمعوله وجرف التراب إلى الخارج وهو يقول: «إني لا أرى أثرا للجثة يا مولاي.»
وكان بهزاد في أثناء ذلك يحدق فيما يخرج من التراب، ثم انحنى وقبض على قطعة من نسيج نفض التراب عنها وقال: «أليست هذه قطعة من ذلك البساط؟»
فأمسك سلمان عن الحفر وتناول النسيج وقد تهرأ وتقطع وقال: «بلى، بلى، إنها جزء منه.» وعاد إلى الحفر بهمة ونشاط وميمونة تنظر إليه وتستغرب حركاته.
وبعد أن حفر برهة تعب وتصبب العرق عن ساعديه ووجهه، فوقف وأسند يده على المعول وتنهد تنهدا شديدا، فابتدره بهزاد قائلا: «لقد تعبت ، ولكن لا بد لنا من إتمام عملنا في هذه الليلة، هات المعول.» ومد يده فتناول المعول وأخذ يحفر بسرعة ونشاط، ثم سمعت ميمونة صوت ارتطام المعول بجسم صلب كأنه أصاب حجرا، ورأت بهزاد توقف عن الحفر ومد يده فأخرج قطعة عظم مستطيلة وصاح: «هذه ساقه أو فخذه، أبشر يا سلمان.»
فتقدم سلمان ونزل إلى الحفرة بنفسه وجعل يجرف التراب ويبحث فيه حتى عثر على شيء تناوله بين السبابة والإبهام ودفعه إلى بهزاد وقال: «هذا خاتم.»
فأخذ بهزاد الخاتم وتقدم إلى المصباح وتفرس فيه وقال: «إنه خاتمه بعينه.»
قال: «وكيف عرفت ذلك يا سيدي؟»
قال: «ألا تذكر أنه لما استقدمه المنصور من خراسان أوصى كاتبه بأنه إذا جاءه كتابه وعليه خاتمه كاملا لا يعمل به، وإنما يعمل بالكتاب إذا كان عليه نصف الخاتم فقط؟» قال: «بلى.»
قال: «انظر، إن اسمه على الخاتم ممحو من أحد جانبيه؛ فهو خاتمه وهذه هي ساقه، فابحث عن الجمجمة.»
فأخذ سلمان يحفر بيده ويخرج قطعا من أقمشة متهرئة أو من عظام نخرة، وأخيرا أخرج الجمجمة وناولها إلى بهزاد، فنفض التراب عنها وقد بدا البشر في وجهه يتخلله انقباض، ثم امتقع لونه وقال: «هذا هو رأسه. هذا هو رأس المقتول ظلما! إن عثورنا عليه يساوي نصف الخلافة، وإذا انتقمنا له فقد نلنا الخلافة كلها.» وما تمالك أن قبله وأكب سلمان عليه فقبله وأخذ يمسح التراب عنه بطرف ثوبه بلطف واحترام، وبهزاد واقف ينظر إلى الرأس وقد تغيرت سحنته وتجلى الغضب في عينيه، فابتدره سلمان وقال: «أهنئك يا سيدي بما توفقت إليه؛ فقد وقعت على ضالتك وكفى الآن. فإذا شئت رجعنا إلى المنزل، فقد كان هذا الليل شاقا عليك.» قال ذلك وتحول إلى المصباح فحمله بإحدى يديه والجمجمة باليد الأخرى، ومشى بهزاد في أثره وقد تولاه السكوت والغضب كأنه أصيب بجمود.
অজানা পৃষ্ঠা