فبالغ الأمين في إظهار التهديد، ثم قال: «يكفي هذا.» والتفت إلى ابن الفضل وقال: «هل جاءك من أبيك شيء من هذا القبيل؟»
قال: «كلا يا مولاي، إنه لم يكتب إلي بشيء.» ولم يجسر أن يخبره بما قصه عليهم الملفان بالأمس.»
ثم التفت إلى ابن ماهان وقال: «ألم أقل لكم إن هؤلاء المنجمين يتقربون إلينا بكذبهم؟»
فابتسم ابن ماهان ابتسام المستعطف وهمس للأمين قائلا: «إنني أعرف صدق أخبار الملفان سعدون، وإذا شاء مولاي أن يختبر صدقه فعل، إن الوزير لا يلبث أن يصل إلى بغداد الليلة أو صباح غد، وسيعلم مولاي ما فعله، والرأي بعد ذلك لأمير المؤمنين!»
وكان الملفان أثناء ذلك يتشاغل بتقليب الدرج بين يديه يتمتم كأنه لا يسمع ما يقولون حتى سمع الأمين ينادي: «يا غلام.»
فدخل الحاجب وتأدب فقال له: «قل لصاحب الإنزال أن يأخذ هذا الملفان إلى دار الأضياف، يقيم هناك في كرامة ورعاية حتى أطلبه.» والتفت إلى الملفان وقال: «تفضل إن شئت وكن مطمئنا حتى ندعوك.»
فنهض سلمان واستعاذ بالله من الانتظار مخافة أن يبطئ على أهل القصر المأموني وهم في قلق على تأخر الطبيب بهزاد، لكنه لم ير بدا من الطاعة؛ فخرج وسار مكرما إلى منزل بجانب مطبخ العامة، جاءوه فيه بما يحتاج من الطعام والشراب.
ومكث هناك كأنه على الجمر بقية يومه، وفي ضحى اليوم التالي جاءه رسول الخليفة يستقدمه إلى المجلس الخاص، فسار بعد أن أصلح هندامه وأتقن تنكره وهو يتظاهر بالسذاجة وصفاء النية وخلوص السريرة، فلما دخل على الخليفة وجد عنده ابن ماهان وابن الفضل، فأمره الأمين بالجلوس وقال له: «إن وزيرنا الفضل آت عما قريب، وسنسأله عن أمره بحضورك ثم نرى ما يكون.»
فحنى رأسه مطيعا ووقف، فأمر له الأمين بالجلوس فجلس.
ثم جاء الحاجب يقول: «الوزير الفضل بالباب يا مولاي.»
অজানা পৃষ্ঠা