وكان ابن الفضل كلما أقبل على باب وقف له حراسه، فلما دخل الرحبة الكبرى لفت انتباهه الصهيل والحمحمة والنهيق وغير ذلك من أصوات الدواب؛ لأن الرحبة كانت غاصة بالخيل والبغال والحمير فضلا عما أدخل منها إلى الإصطبلات، ومعها العبيد والخدم في انتظار من جاءوا عليها من الأمراء والقواد لتهنئة الأمين بالخلافة، أو جاءوا لغرض آخر.
وكان سعدون (أو سلمان) ينظر إلى ذلك ويراقبه ولا يبتعد ببغلته عن ابن الفضل، حتى إذا دنوا من القصر تحول ابن الفضل نحو السقيفة التي يقيم بها صاحب الشرطة لمقابلة ابن ماهان قبل الدخول على الخليفة، فأرسل بعض من في ركابه من الخدم ليتقدمه بالسؤال عنه في السقيفة، فعاد يقول إنه في حضرة أمير المؤمنين بعث إليه من بضع دقائق.
فلم يتعجب ابن الفضل لذلك، ولكنه كان يرجو أن يراه قبل دخوله على الأمين ليتفق معه على تقديم الملفان سعدون إليه ، ولكنه لم ير بدا من النزول عن جواده، فنزل ونزل سعدون عن بغلته، ومشيا إلى باب القصر فوقف لهما الحراس وهم ينظرون إلى الملفان ويستغربون شكله وقيافته ومشيه بعكازه والدواة في منطقته، وما زال يمشي بجانب ابن الفضل حتى بلغا باب القصر الداخلي، مارين في الباحة بجماعات من القادمين على الخليفة فيهم الأمراء والقواد والشعراء وغيرهم من الوفود.
وكان الأمين كريما جوادا، يغدق على الجند رغبة في استنصارهم لما يعلمه من حرج مركزه؛ ولذلك أعطاهم رزق 24 شهرا يوم مبايعته، ففرحوا وفرح معهم أهل بغداد كافة؛ لأن هذه الأموال تنفق في المدينة فيدفع الجند منها ما عليهم ويبتاعون ما يحتاجون إليه من الآنية أو الطعام أو اللباس؛ فلا غرو إذا سر البغداديون بتبديل الخلفاء بعد أن جرت العادة بأن يأمروا بمثل هذا العطاء عند مبايعتهم.
وعرف ابن الفضل كثيرون من الواقفين هناك فخف بعضهم لتحيته، وتزلف إليه آخرون؛ لأنه ابن الوزير، والوزير يومئذ صاحب الحل والعقد. فسأل بعضهم عن سبب وقوفهم هناك فقالوا: «إن الخليفة في شاغل مع صاحب الشرطة بعد أن جاءه هذا الرسول.» وأشار إلى رجل واقف في بعض جوانب الباحة؛ فعرف ابن الفضل أنه من موالي أبيه، وكان الرجل قد رأى ابن الفضل مارا فلم يجرؤ على مبادأته بالحديث، فلما رآه ينظر إليه ويبتسم هرول نحوه وقبل يده فقال له: «ما وراءك؟ وما الذي جاء بك؟»
قال: «أرسلني مولاي الوزير برسالة إلى أمير المؤمنين.»
قال: «وأين أبي الآن؟»
قال: «قريب من بغداد، وقد أرسلني لأبشر بقدومه.»
قال: «وهل جئت بكتاب منه؟»
قال: «جئت بكتاب دفعته إلى أمير المؤمنين، ولعله السبب في تأخير الإذن للناس كما ترى، وإنما دخل عليه صاحب الشرطة.»
অজানা পৃষ্ঠা